وجود شيخ التربية الصوفية زمن الصحابة والتابعين؛ دعوى باطلة




إذا اطلعنا على تاريخ الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى نهاية القرن الثاني للهجرة، لن نجد ذكرا لمصطلح شيخ التربية لفظا أو مضمونا، بما يحمله من الحمولات والمعاني التربوية الصوفية. وليتصفح القارئ مثلا كتاب "صفة الصفوة" للعلامة ابن الجوزي، ثم لينظر هل يجد أن أحدا من مئات الرجال المترجم لهم نعت أو وصف ب" شيخ التربية". وذلك راجع لأسباب جوهرية منها:


- 1  أن المسلمين، خلال هذين القرنين من الزمن، كانوا أحرص الناس على التقوى والاستقامة والتمسك بالكتاب والسنة. فلم يكونوا بحاجة إلى شيوخ التربية بالمعنى الصوفي الذي أصبح متداولا في القرون اللاحقة. وبمعنى آخر، لم تكن هناك أزمات أومشاكل نفسية أوروحية متعلقة بضعف الإيمان. وإن وجدت فسرعان ما تعالج، إما عن طريق الصحبة الصالحة وما أكثرها في ذلك العهد، أو عن طريق اللجوء إلى شيخ فقيه عالم معروف بالصلاح والزهد فيطلب منه النصيحة.
2 -أن روح التربية الروحية والإيمانية، كانت تسري بين المسلمين بطريقة تلقائية، لأن مظاهر الحياة الاجتماعية كانت تعبر أصدق تعبير عن الاستقامة وحب الدين ونصرته، الأمر الذي بدأ يتغير بعد انصرام العقود الأولى من حكم العباسيين، وظهور نفوذ الفرس.
 3 -إن العلم أو الفقه والتربية، كانا يشكلان وجهين لعملة واحدة، فالصحابي أو التابعي، أو من تبعه خلال تلك الفترة أو الحقبة الصافية، عندما ينفق أحدهم العلم، فإنه في الوقت ذاته يلقن التربية الروحية والإيمانية. فلم يكن هناك شيخ في العلم والفقه دون أن يكون شيخا في التربية.


             يستنتج مما سبق أن إسم شيخ التربية لم يكن ينعت به أحد في ذلك الزمن، أو ينادى به عليه، أو يخاطب به، بل كان الشيوخ العلماء والفقهاء يمارسون العلم والفقه تحصيلا وإنفاقا كما يمارسون التربية الروحية والإيمانية، ومن هنا فإن مصطلح شيخ التربية من المصطلحات المستحدثة.


             والمسلم يحتاج في حياته إلى من يعلمه القرآن أو الحديث أو الفقه، أو يعلمه طرق وأساليب إصلاح النفس وتزكيتها. لكن ذلك المطلوب لا يتعين في شخص بذاته بحيث إذا انتسب إليه الطالب المستفيد يواليه وحده ولا ينفصل عنه، كما يفعل الصوفية مع شيوخهم، بل يستحسن أن يكثر من الشيوخ والعلماء، تماما كما يتغذى النحل وهو ينتقل بين الأزهار. وكل من قدم لمسلم فائدة فقهية أو تربوية فهو شيخه فيها، كما عليه أن يبحث عن الشيوخ والعلماء الربانيين الورعين الزاهدين في الدنيا، والراغبين في الآخرة، فهم وإن قلوا لم ينقطعوا ولله الحمد.


             وبهذه الطريقة يظل قلب المسلم معلقا بخالقه وبسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه ، مع الاستفادة من الشيوخ والعلماء. فلم يرتبط الصحابة ولا التابعون ولا من تبعهم بشخص واحد في العلم والتربية، وجعلوه محورهم ومستندهم الوحيد، لأن هذا الأسلوب أي أسلوب الاقتصار على شيخ واحد له عيوب كثيرة: منها أن أي شيخ أو فقيه أو عالم يعتبر غير معصوم، إذ قد تصدر منه أخطاء في الفقه أو التربية، تؤثر سلبا في عقيدة أو سلوك أتباعه أو تلاميذه، وهم لا يشعرون،وذلك بسبب حبهم لشيخهم الوحيد وتعصبهم لطريقته أو لمذهبه. ولذا كان تعدد المشارب وموارد الفوائد بتعدد الشيوخ والعلماء، أسلم وأصوب وأهدى سبيلا.


             والخلاصة أن كل مسلم يكون على علم بفقه العبادات، مطلع على السيرة النبوية وسير الصحابة والتابعين والأئمة، متخلق بأخلاق الإسلام، راغب في التقوى والاستقامة،... يعتبر مؤهلا، بالقوة والفعل، للقيام بدور الشيخ التربوي إذا دعت الضرورة لذلك، ودون حاجة لأن ينعت بوصف شيخ التربية، أو يسعى للاتصاف بها والتخصص فيها، حتى يعرف بها ويشار إليه بالبنان، إذ عندما يصل الأمر إلى هذا المستوى، قد يلج صاحبه باب الفتنة، فيفتن نفسه وغيره.



د. عبد الله الشارف، كلية أصول الدين/جامعة القرويين. جمادى الأولى 1434/ مارس 2013.


إرسال تعليق

2 تعليقات

  1. مسلم إن شاء الله21 مارس 2013 في 4:58 م

    ألا يمكن إعتبار الرسول صلى الله عليه وسلم مربيا

    ردحذف
  2. نعم الرسول صلى الله عليه وسلم كان أعظم مربي، لكن تربيته لم تكن على طريقة المشيخة الصوفية ولا الطرقية

    ردحذف