أسباب إصرار بعض المواطنين على عدم ارتداء الكمامة وسخريتهم ممن يحتاط من فيروس كورونا



استكتبني قبل بضعة أيام منبر "هوية بريس" في موضوع مرتبط بوباء كورونا، فحررت مقالا مجيبا عن أسئلته الآتية:
"بالنسبة لك لماذا يصر بعض المواطنين على عدم الالتزام بالاحترازات الطبية التي تقي المواطن والمجتمع من خطر الفيروس؟! هل نحن نجني ثمار التعليم الذي لم نستثمر فيه بالشكل المطلوب؟ أم مخرجات الاعلام الذي ركز على السفاهة والتفاهة؟ أم ماذا بالضبط؟؟
فكان جوابي كما يلي:

من البديهي والمقرر عند علماء الاجتماع والتربية أن الخطاب والتواصل الصحيح والبناء بين فئات المجتمع وطبقاته من جهة وبين المسؤولين من جهة ثانية، أمر أساسي وضروري لقيام المجتمع القوي والصالح.

وإذا نظرنا إلى واقع المجتمع المغربي من هذه الزاوية وجدنا غياب التفاعل والتواصل البناء بين الطرفين، لكون البنية العقلية والثقافية لمعظم أبناء الشعب ولكثير من المسؤولين، يعتريها بعض الخلل، وكذا غياب عناصر الرؤية الإصلاحية الحقيقية، رغم الأعمال والمجهودات الكبيرة التي يضطلع بها المسؤولون في جميع القطاعات: الأمن والصحة وغيرهما.

وفيما يتعلق بعدم التزام كثير من المغاربة بالأساليب الوقائية والاحترازات الطبية بشأن فيروس كورونا، قال أستاذ علم الاجتماع في تصريح لمنبر “هوية بريس”، هناك أسباب كثيرة، لعل أهمها: الفقر والجهل.

إن عامل الفقر والهشاشة الاجتماعية لدى المجتمع المغربي، لا سيما الطبقة الفقيرة، يحول دون إدراك خطورة الأمر. ذلك أن المغاربة الفقراء أو من ذوي الأجور الضعيفة، يعتبرون الحياة معركة يومية من أجل البقاء. همهم الوحيد يتركز حول لقمة العيش. ولا يقيمون للفيروس وزنا، وقلما يخشون الأمراض، لأن ما يعانونه من فقر وتهميش أشد وطأة وألما على أنفسهم من خطر الفيروس وغيره من الأمراض. ولذا تجدهم أحيانا يستهزئون بمرض كورونا، ويسخرون ممن يهابونه ويخشون الموت بسببه.

وهناك من ناحية أخرى عامل الجهل الناتج عن “التجهيل الممنهج” الذي سلكته الحكومات المتعاقبة على السلطة، خاصة من خلال الإعلام والثقافة والتربية والتعليم. فما نراه اليوم من حالة اللا مبالاة التي يعيشها جل المغاربة هي نتيجة ضعف الحمولة التربوية سواء من خلال المؤسسات التعليمية أو الإعلامية أو الثقافية، وكذا ضعف التركيز على  عناصر الهوية الوطنية والقيمية والإسلامية.

إن التعليم في وطننا العزيز القائم على التبعية والاستيراد والاستغراب، أسهم إسهاما كبيرا في إعداد وتخريج عدد هائل من الشباب العاطلين، سواء أنهوا دراساتهم الثانوية والعليا، أو كانوا من أشقياء وتعساء الهدر المدرسي.

هؤلاء الشباب تكاثروا في المغرب واعتراهم اليأس والتذمر والإحباط، نتيجة التربية التعليمية المختلة، وضعف التنشئة الاجتماعية، وغياب القيم الدينية والأخلاقية الاجتماعية، التي هي أساس وروح المجتمع الصالح، وهيمنة كثير من القيم المنحرفة والداعية إلى الانحلال الأخلاقي والفساد، والتفكك الأسري والاجتماعي، والثورة على ثوابت الهوية المغربية (الدين، اللغة، التاريخ)، وذلك باسم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

كل هذه الأسباب والعوامل وغيرها مما لم يذكر من أمثالها ونظائرها، يدفع كثيرا من هؤلاء المغاربة التعساء والجهلة والمهمشين، إلى الاستهتار واللامبالاة بالتعليمات والتوجيهات، والمجهودات التي يقوم بها المسؤولون ويتعبون ساهرين على أدائها. لكن كما يقول المثل العربي: “إنك لن تجني من الشوك العنب”، أي لا يحصد الإنسان إلا ما زرعه.

إن المجتمع المغربي، مسؤولين ورعايا، يتحمل المسؤولية تجاه وباء كورونا وغيره من الظواهر المرضية والاجتماعية. وكما أن بعض المسؤولين لا يحسنون تدبير مسؤوليتهم فيسيئون إلى المجتمع، فكذلك المجتمع المغربي يكثر في أفراده من لا يتحمل المسؤولية أيا كان نوعها. والأمر مشترك بين الطرفين، وهذه الظاهرة تعبر عن قانون من القوانين والسنن الاجتماعية الثابتة والمطردة عبر التاريخ والمجتمعات والحضارات المتعاقبة إلى يوم الناس هذا.


إرسال تعليق

0 تعليقات