"إسلامية المعرفة": ملاحظات منهجية







 إن العمل على استنباط وصياغة المفاهيم والأفكار المتعلقة بالنفس والاجتماع والتاريخ إلى غير ذلك انطلاقا من الكتاب والسنة، وآراء المجتهدين من فقهاء الأمة وعلمائها، عمل مشروع وضروري، حتى يتسنى للمسلم فهم ومعالجة أوضاع المسلمين الاجتماعية والثقافية بمنطق إسلامي  محض، هذا مع الاستعانة، إذا اقتضى الحال،  ببعض الأدوات والتقنيات، والمناهج الحديثة المجردة من البعد الإيديولوجي، والتي يمكنها أن تنسجم مع الروح الإسلامية، ولا تتعارض مع قيم الإسلام ومعاييره.


أما أن نعمد إلى تبني مفاهيم ونظريات ومناهج العلوم الإنسانية الغربية، وصياغتها صياغة إسلامية، أو وضعها في قالب إسلامي، فهذا عمل قد لا يخلو من انزلا قات خطيرة. هب أننا، مثلا، تبنينا مفهوم اللاشعور وجردناه من كل محتواه واحتفظنا بالشكل؛ أي بلفظ اللاشعور، وأفرغنا فيه المحتوى الإسلامي، ألن يذوب أو، على الأقل، يتكيف هذا المحتوى الجديد مع الشكل القديم؟ ألن يتأثر هذا المحتوى بتقسيم فرويد لمستويات النفس والوعي؟


ومما يؤسف له في هذا الصدد، أن بعض الكتاب المسلمين يندفعون دون أدنى تريث، وراء استعمال مثل هذه المصطلحات وإقحامها في كتاباتهم. يقول الدكتور نبيل السمالوطي: "وهناك من دوافع السلوك ما لا يكون الإنسان منتبها إليها واعيا بها، ومع هذا تحرك سلوكه دون علم منه، وهي ما يطلق عليها الدوافع اللاشعورية أو غير المشعور بها"[1] .


إننا إذا اعترفنا باللاشعور أو بدوافع " لا يكون الإنسان منتبها إليها واعيا بها... تحرك سلوكه دون علم منه، " كما يقول السمالوطي، فإننا سوف نسقط جانبا من المسؤولية في الأفعال الإرادية الصادرة عن الشخص المسلم، وبالتالي سنعذر الأشخاص في كثير من تصرفاتهم لكونها لا شعورية،  وهذا لا يتفق مع روح الشريعة، ومنطق التكليف.


وفي موضوع بمجلة "كلية الدعوة الإسلامية" تحت عنوان "علم النفس في القرآن الكريم" عمد الأستاذ ناصر العزيز إلى إثبات تشابه بين النفس المطمئنة التي ورد ذكرها في القرآن: " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية..." [2] والذات الشعورية بتعريف علم النفس الحديث.


ولنستعرض جزءا من كلامه في هذا الشأن، كي  نتبين سذاجة التحليل والجهل بمعاني ألفاظ القرآن:


" هذا كما يوجد مفهوم للنفس ورد في القرآن الكريم "النفس اللوامة"، يقول الله تعالى: "لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة"، ومفهوم آخر نقيض له "النفس المطمئنة"؛ يقول الله تعالى: " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية". إن مفهوم النفس اللوامة يعتبر محورا لكثير من الدراسات النفسية في مجال التحليل النفسي والأخلاق، حيث إن الذات التي تتصف بالصفات الدالة عليها كلمة لوامة إشارة إلى أنها ذات مريضة، ذات غير سوية،  بمفهوم المحللين والمعالجين النفسانيين يستوجب معالجتها لتشفى من سوء التوافق الذي تعاني منه. (!!!؟؟).


في حين أن علم النفس استفاد أيضا، بل بنيت كثير من دراساته على ما ورد في القرآن الكريم حول "النفس المطمئنة" في وصف وإيضاح ما اتفق على تسميته "بالذات الشعورية"، وهي الجانب النفسي من الشخصية الذي يواجه العالم الخارجي،  ويتأثر به ويكاد يكون صورة للواقع الذي تقره البيئة، وهو ما يطلق عليه صاحب مدرسة التحليل النفسي فرويد مصطلح الأنا. (!!!؟؟).


إن الذات الشعورية "المطمئنة" اكتسبت صفة الهدوء والاطمئنان، وهي تمثل كذلك جانب الخير في الشخصية، في حين تمثل النفس اللوامة التكبر والتعالي والأنانية والغرور، وهي صفات جانب الشر في الشخصية. ونتيجة تناقض الجانبين ينشأ ما يعرف بالصراع الداخلي والذي تظهر نتائجه في صورة سوء التوافق النفسي والعقلي"3 (!!!؟؟).


في البداية لم يفهم الأستاذ ناصر العزيز مدلول النفس اللوامة، فقد وصفها بالتكبر والأنانية!، وكان عليه من باب الموضوعية والنزاهة العلمية أن يرجع إلى بعض التفاسير القرآنية ليتأكد من فهمه. جاء في "صفوة التفاسير" مثلا أن المقصود بقوله تعالى " ولا أقسم بالنفس اللوامة" أي أقسم بالنفس المطمئنة المؤمنة التقية التي تلوم صاحبها على ترك الطاعات وفعل الموبقات". أما فيما يتعلق بالمماثلة بين "النفس المطمئنة" وبين "الذات الشعورية" أو "الأنا" فإنها مماثلة خاطئة. فالنفس المطمئنة يقصد بها في سياق الآية، النفس الطاهرة الزكية المطمئنة بوعد الله. قال المفسرون بأن الخطاب الموجه إليها بقوله تعالى: "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي" يكون عند الموت، وهو ما يقال للمؤمن عند احتضاره. أما الذات الشعورية أو الأنا، في تصور علم النفس الحديث أو مدرسة التحليل النفسي، فهو عالم آخر لا يمت بأدنى صلة إلى عالم النفس المطمئنة.


         وإذا كان مفهوم النفس المطمئنة ينطوي على أبعاد روحية عميقة من خلال ربط كيان المسلم بعالم الغيب والسماء، فإن مفهوم الذات الشعورية في التحليل النفسي، ينطلق من إطار القطيعة الروحية بين السماء والأرض، تلك القطيعة التي أرست قواعدها فلسفة النهضة الأوربية، ومن هنا فإن هذين المفهومين متعارضان لتعارض إطاريهما.


وفي اللقاء العالمي الرابع للفكر الإسلامي الذي تمحور حول "قضايا المنهجية في العلوم السلوكية قال أحد المشاركين. "إن مجتمع المؤمنين متجانس ومترابط حيث تقل فيه القلاقل العاطفية ويتميز الأفراد فيه بإيجابية في علاقاتهم مع الآخرين بفضل الرياضة الروحية. فالتأمل الارتقائي مثلا الذي يستخدم الآن في العلاج الاسترخائي، أمر ثابت في صميم العبادات الإسلامية"[3] .


إن هذا الخلط بين التأمل الارتقائي المستخدم في العلاج الاسترخائي الحديث، وبين السمو الروحي والسكينة الباطنية اللذين يشعر بهما المسلم أثناء ممارسته للعبادة، خلط ردئ ولا أساس له، وليس ثمة تشابه بينهما لاختلاف الأرضية والرؤية.










[1] - " الإسلام وقضايا علم النفس الحديث" نبيل السمالوطي ص 86





2- مجلة كلية الدعوة الإسلامية/ طرابلس ليبيا العدد 5- 1988 ص 88-8





3] - "قضايا المنهجية في العلوم السلوكية" الدكتور الزبير بشير طه والأستاذ احمد محمد الحسين/ المعهد العالمي للفكر الإسلامي (واشنطن) جامعة الخرطوم قسم علم النفس/ الخرطوم 15-22 يناير 1987


د. عبد الله الشارف، جامعة القرويين/كلية أصول الدين تطوان المغرب 1996.






إرسال تعليق

2 تعليقات

  1. You've really heelpd me understand the issues. Thanks.

    ردحذف
  2. I do not even know the way I stopped up correct here, nonetheless I thought this put up was great. I don’t recognize who you’re but undoubtedly you might be going to a famous blogger when you might be not already Cheers!

    ردحذف