ما أعظم حاجتنا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم


لو أدرك العبد مدى حاجته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لما وسعه إلا أن يتبعه ويحبه ويكثر من الصلاة عليه، ويدافع عن سنته ويعمل بها.

يقول العلامة أحمد بن تيمية:
"الرسالة ضرورية للعباد، لابد لهم منها، وحاجتهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء، والرسالة روح العالم ونوره وحياته، فأي صلاح للعالم إذا عدم الروح والحياة والنور؟ والدنيا مظلمة ملعونة إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة، وكذالك العبد ما لم تشرق في قلبه شمس الرسالة ويناله من حياتها وروحها فهو في ظلمة؛ وهو من الأموات."1

"وليست حاجة أهل الأرض إلى الرسول كحاجتهم إلى الشمس والقمر والرياح والمطر، ولا كحاجة الإنسان إلى حياته؛ ولا كحاجة العين إلى ضوئها والجسم إلى الطعام والشراب؛ بل أعظم من ذالك؛ وأشد حاجة من كل ما يقدر ويخطر بالبال، فالرسل وسائط بين الله وبين خلقه في أمره ونهيه، وهم السفراء بينه وبين عباده." 2

يستفاد من كلام الفقيه أحمد ابن تيمية، أن الحياة الصالحة والنافعة إنما تحصل باتباع الرسالة والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الإعراض عن ذلك يجعل الإنسان ميتا وهو يحسب نفسه حيا. قال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون"3 . فمن استجاب لله وللرسول كان من الأحياء، وإن مات وفارق الدنيا. كما أن أكمل الناس حياة في الدنيا والآخرة، أكملهم استجابة لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله وللرسول ظاهرا وباطنا.

قال العلامة المحقق القاضي أبو الفضل عياض السبتي:" قال جعفر بن محمد؛ أي جعفر الصادق: علم الله تعالى عجز خلقه عن طاعته... ، فأقام بينه وبينهم مخلوقا من جنسهم في الصورة، ألبسه من نعته الرأفة والرحمة، وأخرجه إلى الخلق سفيرا صادقا، وجعل طاعته طاعته، وموافقته موافقته، فقال تعالى: "من يطع الرسول فقد أطاع الله" (النساء، آية 80) قال أبو بكر محمد بن طاهر: زين الله محمدا صلى الله عليه وسلم بزينة الرحمة. فكان كونه رحمة وجميع شمائله وصفاته رحمة على الخلق، فمن أصابه شيء من رحمته فهو الناجي في الدارين من كل مكروه، والواصل فيهما إلى كل محبوب، ألا ترى أن الله تعالى يقول: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" (الأنبياء 107)" 4

يقول مصطفى صادق الرافعي رحمه الله: "لا يعرف التاريخ غير محمد صلى الله عليه وسلم رجلا أفرغ الله وجوده في الوجود الإنساني كله، كما تنصب المادة في المادة، لتمتزج بها، فتحدث منها الجديد، فإذا الإنسانية تتحول به وتنمو، وإذا هو صلى الله عليه وسلم وجود سار فيها فما تبرح هذه الإنسانية تنمو به وتتحول.
كان المعنى الآدمي في هذه الإنسانية كأنما وهن من طول الدهر عليه، ... فابتعث الله تاريخ العقل بآدم جديد بدأت به الدنيا في تطورها الأعلى من حيث يرتفع الإنسان على ذاته، كما بدأت من حيث يوجد الإنسان في ذاته؛ فكانت الإنسانية دهرها بين اثنين: أحدهما فتح لها طريق المجئ من الجنة، والثاني فتح لها طريق العودة إليها: كان في آدم سر وجود الإنسانية، وكان في محمد صلى الله عليه وسلم، سر كمالها" 5.
1- أحمد بن تيمية، مجموع الفتاوى ج 19 ص 93
2-أحمد بن تيمية، مجموع الفتاوى ج 19 ص 101
3 - سورة الأنفال، آية 24.
4 - القاضي أبو الفضل عياض السبتي: "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" دار الكتب العلمية بيروت 1420/2000 الجزء الأول ص 18
5 - مصطفى صادق الرافعي، "وحي القلم"؛ ج1، ص304، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1422-2001، ط. 1.

د. عبد الله الشارف؛ كلية أصول الدين تطوان/المغرب. شعبان 1433-يوليوز 2012.

إرسال تعليق

1 تعليقات

  1. ولقد أصاب (جان جاك روسو) حيث يقول: (من الناس من يتعلم قليلاً من العربية ثم يقرأ القرآن ويضحك منه ولو أنه سمع محمدًا [صلى الله عليه وسلم] يمليه على الناس بتلك اللغة الفصحى الرقيقة وصوته المشبع المقنع الذي يطرب الآذان ويؤثر في القلوب.. لخر ساجدًا على الأرض وناداه: أيها النبي رسول الله خذ بيدنا إلى مواقف الشرف والفخار أو مواقع التهلكة والأخطار فنحن من أجلك نودّ الموت أو الانتصار)..

    ردحذف