أبراهام السرفاتي وكارل ماركس في كلية الآداب بتطوان



 

بسم الله الرحمن الرحيم


"أبراهام السرفاتي وكارل ماركس في كلية الآداب بتطوان"


بعد مغادربتي لقاعة الدرس (شعبة الجغرافيا/ مادة علم الاجتماع)، صباح يوم الإثنين الماضي 2-4-2012، وأنا في طريقي إلى قاعة الأساتذة، استوقفني النشاط الثقافي والإعلامي الذي نظمه الطلبة على اختلاف تياراتهم وأطيافهم؛ كتب معروضة وصور تعبر عن قضايا الطلبة ومعاناتهم، وبعض قضايا العالم العربي، وأحاديث ومناقشات هنا وهناك في أرجاء البهو الرئيس للكلية.
ويتراوح شعور الطلبة بين التلذذ بالآمال العريضة التي تغذيها جرعات التفاؤل، وبين التألم للمعاناة والآلام النفسية التي تسببها بعض الأحداث والنوائب المصاحبة لحياة الجامعة المغربية؛ "وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم" (سورة فصلت: آية 35).
بيد أن الذي أثار انتباهي، هو بعض معروضات جناح فصيل الطلبة اليساريين التقدميين؛ حيث عرض هؤلاء الطلبة كتاب "رأس المال" لكارل ماركس، وكتابات لينين و غرامسكي وشيغيفارا، وما شابه ذلك. كما عرضوا إطارا زجاجيا يحمل صورة أبراهام السرفاتي... فتذكرت حياتي الجامعية بفاس في سبعينيات القرن الماضي الميلادي، حيث كانت الإيديولوجيا الماركسية ناشرة أعلامها، ومؤثرة في عقول آلاف الطلبة، وكثير من (المثقفين) في المغرب، وكذا في العالم أجمع.
نعم لقد كان للإيديولوجيا الاشتراكية الماركسية صولة ووطأة قوية؛ حيث كانت روسيا الستينيات والسبعينيات، زمن بريجنيف، دولة لاتقهر، ولها نفود وامتدادات سياسية وثقافية عالمية، إلى أن بدأت تعرف التراجع والتقهقر والانحسار السياسي والإيديولوجي، بعد اعتدائها على أفغانستان ودخولها في مستنقع الحرب الغاشمة.
أيها الطلبة الأعزاء: إن نجم الماركسية والشيوعية قد أفل منذ عقود، وإن النظام الاشتراكي قد انتكس وارتكس في عقر داره، لأسباب عدة من بينها؛ هشاشة الفكر الماركسي وطوباويته، وعدم ملاءمته لطبيعة الإنسان وطموحاته. وهناك أسباب أخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
إن العالم العربي يعيش الآن أحداث ربيعه النضير الحيوي المفعم بالمشاريع والآمال، وإن تاريخه المشرق ليكتب الآن بدماء شهدائه الأبرياء، كما لا يخفى على أحد مدى ثقل عامل الهوية الإسلامية والدين والتراث العربي الإسلامي فيما يتعلق بانطلاقة هذا الربيع النضير وبلورته.
لقد خسفت وكسفت تلك الأضواء الباهتة للحداثة والعلمانية والاشتراكية والقومية والإلحادية
في العالم العربي، عندما توهج أمامها نور الربيع العربي القاهر.
أيها الطلبة الأعزاء، طلبة الفصيل اليساري؛ إن تلك الكتب المعروضة هي سلعة كاسدة زهد فيها أبناؤها، فكيف يقبل عليها الطلبة المغاربة الغيورون على تراثهم وهويتهم ودينهم، والحالة أن حركة التاريخ العربي الآن متجهة نحو المستقبل في ارتباط وثيق مع الهوية والدين والتراث الحضاري العتيد. وقديما قال الشاعر:



وليس يصح في الأذهان شئ    إذا احتاج النهار إلى دليل.


د. عبد الله الشارف، جامعة القرويين، كلية أصول الدين تطوان المغرب
/ جمادى الأولى 1433/ أبريل 2012.

إرسال تعليق

2 تعليقات

  1. بسم الله الرحمان الرحيـــــــــــــم
    جزاك الله خيرا أستاذي الفاضل على ما تفضلت به من التعليق على هؤلاء(الطلبة المغرورين ) أسأل الله تعالى أن يهديهم ...
    أستاذي الكريم وانت تتحدث عن هؤلاء الطلبة اليساريين في هذه الايام الثقافية التي نظمها الطلبة على اختلاف تياراتهم وأطيافهم فذكرني حديثكم هذا بمشهد رأيته هناك أثار انتباهي، وهو أن هؤلاء الطلبة اليساريين كانوا في حلقية لهم يرفعون شعاراتهم بينما كان فصيل التجدبد الطلابي هو الآخر أيضا يردد شعارات إسلامية مثل (اللــــه أكبـــــــر لاإلاه إلا اللـــــــــــه) ،فكان هؤلاء اليساريين يصفونهم بالرجعيين والظلاميين حينما يسمعون من مثل هذه الشعارات الإسلامية،وماأثار انتباهي أكثر هو أني ذات مرة سمعت أحدهم(أعني الطلبةاليساريين) يقول (نحن مسلمون),
    أستاذي الكريم هل يمكن أن يكون شخص مسلم وعلماني في نفس الوقت ؟
    وما موقف الشرع ممن يصف الإسلام والمسلمين بالرجعية والظلامية ؟

    ردحذف
  2. بسم الله الرحمن الرحيم
    إن لطرح هذا الموضوع أهمية بالغة جدا ،كيف لا و هو يقف على أهم أسباب التي تحول بين المجتمع المغربي العربي المسلم و بين تقدمه و رقيه و تطوره ... و إن إشارة الدكتور إلى أهمية عامل الدين و الهوية العربية الإسلامية في رفع راية الربيع العربي كانت إشارة دقيقة منه ينبغي الوقوف معها طويلا ...
    و من هذا المنبر أدعوا الدكتور عبد الله الشارف جزاه الله خيرا أن يبرز في مقالة له دور الدين و الهوية العربية الإسلامية في قيام الربيع العربي و تحقيق الآمال المنتظرة منه من قبل أبناء الامة الإسلامية .
    و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

    ردحذف