الازدواجية اللغوية في التعليم المغربي



إن ازدواجية لغة التعليم أخطر عملية من عمليات الاختراق الأجنبي لمقومات الشعب المغربي وأصالته. وإذا كان المستعمر قد سهر بنفسه على نهج سياسة ازدواجية لغة التعليم، فإنه قد استراح من هذه المهمة بعد رحيله وأورثها من أعجب به من المغاربة غداة الاستقلال. إذ سرعان ما تلقف المنبهرون بالسياسة والمدنية الفرنسية الوظيفة المخلفة لهم ورعوها حق رعايتها!.

يقول جان عمروش "اعتقد بأن الازدواجية اللغوية شيء خطير جدا، لأنه إذا كنا نريد تربية الإنسان وتكوينه، فيجب أن نضع قواعده، أو يجب أن نقوي الأسس الانطلوجية لهذا الإنسان، أي نعمل على ضمان حقه في أن يتواصل مع تراثه بتمكينه من أداة التواصل وهي اللغة، لأن اللغة هي التي تشكل كينونتنا على مستوى الوعي وكذا على المستوى العميق الذي تشكله الذاكرة اللاواعية وعلى مستوى المثل والنماذج المتبعة.
يجب ألا تكون اللغة التي تشكل هذا الإنسان ويتشكل فيها مجرد مجموعة من الأشكال يستعملها حسب قواعد معينة ومعجم غني أو فقير، يجب أن يكون لمخارج حروف هذه اللغة إيقاع عميق في ذاته، أن يحس في أعماق روحه بمجموعة دلالاتها وأبعادها. يجب أن تتلبس الكلمات بكينونته، أن تكون مجرد ما ينتقيه ويستعمله عن وعي مسبق الفكر والذاكرة، وأعتقد أن لغة الكاتب يجب أن تكون هي لغته الوطنية ولغة جينيالوجيته الطبيعية، ويجب أن نتجنب زرع الازدواجية منذ البداية في هذا العمل الذي هو تـأسيس الإنسانط"([1]).

منذ عشرين سنة صرح وزير التعليم – آنذاك الدكتور عز الدين العراقي – بجريدة العلم قائلا: "… وقد أثبتت الدراسات التقنية أن أسباب انخفاض مستوى التعليم ترجع لازدواجية لغة التعليم" ([2]).
قد يكون هذا أول اعتراف بالضرر الذي ألحقته الازدواجية اللغوية بالتعليم. ذلك أن الخطابات الرسمية والتوصيات المتعددة التي تتعلق بالتربية والتعليم إلى حدود منتصف السبعينيات، تخلو من صراحة مماثلة لما حدث به الوزير العراقي، وما ذلك إلا لأن الأمر أصبح واضحا للعيان، وغدا الشغل الشاغل لمن يغار على اللغة العربية والتربية الأصيلة الحرة.
"وقد شرحت معلمة فرنسية في مدارس البعثة الفرنسية، وفي مدارس حرة عربية، بكل بساطة، مشكل الازدواجية في نظام التعليم المغربي قائلة: إن التلميذ المغربي يطلب منه أن يدرس جميع المواد التي يدرسها التلميذ الفرنسي وباللغة الفرنسية، وفي نفس الوقت عليه أن يدرس المواد العربية والدينية باللغة العربية، وكلا اللغتان تختلفان عن لغة أمومته، وأحيانا، عن لهجتيه الإقليمية والوطنية، وهذا شيء إذا كان في مقدور الأذكياء جدا فإنه فوق طاقة التلميذ العادي بكل تأكيد" ([3]).
صدقت هذه المعلمة الفرنسية في ملاحظتها الدقيقة، وحق لها أن تصدق وتصيب الهدف بهذا الرأي؛ لأنها أجنبية والأجنبي – كما هو معروف – يلاحظ ويدقق أكثر من المواطن المحلي. نعم إن إضافة اللغة الفرنسية إلى الفصحى والعامية واللهجات البربرية يسبب إرهاقا نفسيا وعقليا للتلميذ، ويكون ذلك من الأسباب الرئيسة في تأخره الدراسي وكثرة رسوبه. لا يمكنك أن تعثر على بلد غربي يتعلم أبناؤه لغة ثانية بعد لغة الأم، في السنوات الأولى من التعليم الأساسي بله مرحلة رياض الأطفال؟ لكننا أبينا إلا أن نشوش عقول فلذات أكبادنا ونفسد فطرتهم بتعليمنا إياهم لغة المستعمر، ولم يجتازوا بعد عتبة التعليم الأساسي، إنها لجريمة نرتكبها في حقهم.
([1])- Jean Amrouch « Colonisation et Langage » in Etudes Meditrraneenne, 23, en 12 2° Trimistre 1963 P19.
([2])- انظر جربدة العلم 20 دجنبر 1977.
([3])- د. إدريس الكتاني “النظام التربوي في المغرب” (1956-1982) مطبعة النجاح الدار البيضاء 1982 ص 20.

د. عبد الله الشارف، أثر الاستغراب في التربية والتعليم بالمغرب، ألطوبريس، طنجة 2000، ص 55-56-57.

إرسال تعليق

1 تعليقات

  1. لكن سيدي الكريم أنتم تعلمون أهمية تعلم اللغات الأجنبية في عصرنا الحاضر. وللإشارة فقط، فالانفتاح على اللغات الأجنبية في فرنسا مثلا يتم في المرحلة الاعدادية (Cours préparatoire) المعروفة ب(CP) وهى من سن ست سنوات وفي السنة الأولى من المرحلة الابتدائية (Cours élémentaire 1re année) المعروفة ب(CE1)و هى من سن سبع سنوات. فالمهم في الأمر أن لا يكون هذا على حساب اللغة الأم التي تظل هي لغة التعليم والتعلم الأساسية. جزاكم الله خير الجزاء

    ردحذف