يعتبر مفهوم الفكر الإسلامي من المفاهيم الفكرية الحديثة، رغم قدم مسمى التراث والفكر الإسلاميين. ولعل ظهور هذا المفهوم ، جاء في سياق الظرفية التاريخية والسياسية والحضارية التي كان اللقاء الحديث بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي مسرحا لها. يعني أن تبلور الفكر الإسلامي الحديث في حلته الجديدة، يعكس صورة استجابته لتحديات الفكر الغربي. حيث ظهرت قضايا فكرية لم تكن معهودة في التراث المعرفي والثقافي الإسلامي ، كما حدث تجديد على مستوى المنهج المتعلق بالبحث في الفكر والتراث الإسلاميين، ذلك المنهج الذي مال فيه البعض إلى التمسك بروح التراث والمحافظة على ثوابته، في حين اعتبر الآخرون مناهج العلوم الغربية الحديثة أحسن وسيلة لفهم التراث وتجديده.
وفيما يتعلق بالفكر لغة، فقد جاء عند ابن فارس : “فكََرَ؛ الفاء والكاف والراء: تردّد القلب في الشيء، يقال: تفكَّر، إذا رَدَّدَ قلبه معتبرًا، ورجل فِكِّيرٌ: كثير الفكر”.1
وقد وردت مادة (فكر) في القرآن الكريم في نحو عشْرين موضعًا، ولكنَّها بصيغة الفعل، ولم ترد بصيغة الاسم أو المصدر؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ﴾ [المدثر: 18]، وقال تعالى: ﴿ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 50]، وقال تعالى: ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ الأعراف: 176.
أمَّا عند المتأخرين، فقد جاء في “المعجم الوسيط” “فكر” بمعنى: إعمال العقل في الشَّيء، وترتيب ما يعلم ليصل به إلى مجهول، أو: “إعمال العقل في المعْلوم للوصول إلى معرفة مجهول”.2
ويمكن تعريف الفكر الإسلامي بأنه: “كلّ ما أنتجه فِكْر المسلمين منذ مبعث الرَّسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – إلى اليوم في المعارف الكونيَّة المتصلة بالله – سبحانه وتعالى – والعالم والإنسان، والَّذي يعبّر عن اجتهادات العقْل الإنساني لتفسير تلك المعارف العامَّة في إطار المبادئ الإسلاميَّة، عقيدة وشريعة وسلوكًا”3 .
أو أنه”كلّ نتاج للعقْل البشري الموافق لمنهج الإسلام”.
أو أنه “الحكم على الواقع من وجهة نظر الإسلام”.
أو هو المنهج الَّذي يفكِّر به المسلمون أو الَّذي ينبغي أن يفكِّروا به”.
ومن حيث المصادر، فإن الفكر الإسلامي ينطلق من الكتاب والسنة كمصدرين أساسين، الذين يحددان الرّؤية الكلّيَّة النّهائيَّة للإنسان المسلم، وما يتفرَّع عنها من أبعادٍ ترْبويَّة واجتِماعيَّة وسياسيَّة واقتِصاديَّة وغيرها. ثم يليهما الكون الفسيح بما ينطوي عليه من حياة وجماد ومظاهر متعددة. والفكر الإسلامي يجعل من موضوعاته المتميزة؛ موضوع السنن الكونية والسنن الاجتماعية والنفسية. وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تشير إلى هذا الأمر. ولقد ألف العلماء المسلمون قديما وحديثا في هذا المجال ما لا يحصى من الكتب والرسائل.
ولقد تسربت إلى الفكر الإسلامي القديم نظريات وأفكار فلسفية وعقدية كثيرة، أثرت في صورته المشرقة، وأثارت جدالات ومناظرات عميقة وغنية، نتج عنها ظهور مذاهب فلسفية وعقدية وكلامية، كان لبعضها أثر قوي في توجيه الثقافة الإسلامية، وإحداث شروخ في صرح الفكر الإسلامي، مما أدى، مع مرور الزمن وبالتضافر مع عوامل أخرى، إلى نشأة أسباب الانحطاط الثقافي والجمود الفكري. وكان الفكر الأشعري المتأخر، والفكر الإرجائي، والفكر الصوفي الفلسفي والطرقي، على رأس العوامل الفكرية والمذهبية التي جنت على الفكر الإسلامي، وأقبرت روحه وقضت على حيويته وفعاليته.
ولعل العلاقة بين الحضارتين الغربية والإسلامية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين، خير دليل مجسد لموقف الإعجاب والانبهار، حيث تدرجت الشعوب الإسلامية في الانغماس في الحضارة الغربية والتأثر بقيمها وعاداتها، كما سعت طبقة المترفين وأنصاف المثقفين من المعجبين بأوربا، جيلا بعد جيل، إلى تحويل مجتمعها إلى مجتمع تابع للغرب ، ولم تأل جهدا في الدعوة إلى التغريب. وهكذا أفرز هذا الموقف الانبهاري والاستغرابي من الكتاب العرب، الذين يدعون إلى تحويل القبلة الفكرية إلى الغرب، بدءا برفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي، مرورا بقاسم أمين ثم طه حسين…وحسين مروة، ونصر حامد أبو زيد، وعبد الله العروي، ومحمد الجابري، ومحمد أركون. هؤلاء الكتاب المستغربون المعاصرون أساؤوا إلى الفكر الإسلامي بسبب تأثرهم العميق بالفلسفات والمناهج الغربية، وكذا بأطروحات المستشرقين.
ومن ناحية أخرى فإن الصحوة الإسلامية التي تولدت عن النهضة الإسلامية في العصر الحديث، قد ساهمت بحظ وافر في سبيل النهوض بالفكر الإسلامي من خلال قراءات جديدة واجتهادية في التراث، مع الاستفادة الرشيدة من علوم ومناهج العصر. ولعل التيارات الفكرية والسياسية الإسلامية في العالم الإسلامي اليوم، خير دليل على رغبة الشعوب الإسلامية في الرجوع إلى الذات والينابيع الصافية الأولى.
1- مقاييس اللغة، تحقيق عبدالسلام محمد هارون، عن دار الجيل، الطبعة الأولى 1411هـ /1991م، مادة (فكر)، الجزء الرابع ص446.
2- انظر: المعجم الوسيط، الجزء الثاني ص698.
3- محسن عبدالحميد: تجديد الفكر الإسلامي، ص18.
د. عبد الله الشارف، كلية أصول الدين/ تطوان المغرب، شوال 1433-غشت2012.
0 تعليقات