على إثر نشر تدوينة صغيرة في صفحتي التواصلية، هذا نصها:
"إن
الابتلاءات والاختبارات الإلهية تستوجب مراجعة النفس ومحاسبتها؛ أي ممارسة التطهير
الروحي والتزكية النفسية. والنفس عندما تئن تحت وطأة الخوف والقلق، تغدو مهيأةً
لقبول المواعظ والنصائح، والرسائل الروحية المُطَمئِنة."، سألتني سائلة:
"ما معنى
التطهير الروحي أستاذنا،... وإذا كان هذا التطهير بأيدينا فكيف السبيل؟"
فأجبت عن سؤالها
بما يلي:
التطهير الروحي
وتزكية النفس أمر واجب على المسلم، وفرض عين مسطر ومنصوص عليه في الكتاب والسنة.
وإذا كان المسلم يمارس نشاطه وحياته الدنيوية في إطار برنامج عملي يستهدف به ومن
خلاله، تحقيق مصالحه وغاياته، فمن باب أولى أن يكون له برنامج عملي متعلق بدينه
وآخرته، لا سيما أنه عبد محاسَب ونفسه وديعة؛ فهي مسترجعة. كما أن حياة ما بعد
الموت، باقية، خالدة وأبدية. بينما حياتنا هذه الدنيوية قصيرة وفانية، والعاقل
يختار ما يبقى على ما يفنى.
وينبغي للمسلم أن
يستحضر، على الدوام، الغاية من خلقه ووجوده. وتتجلى هذه الغاية في مظاهر وأمور
أهمها:
1-
العبودية؛ لقوله تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ
الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" (الذاريات 56)
2- الابتلاء؛ قال الله سبحانه: "الَّذِي
خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا"
(الملك 2)
3- الاستخلاف لقوله سبحانه: "وَعَدَ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي
الْأَرْضِ"(النور55).
هذه الرسائل
الثلاث التي يخاطبنا الله بها، لهي رسائل جليلة وثقيلة، بحيث لا يستطيع القيام بها
وبمقتضياتها، إلا الصادقون من المؤمنين الذين تحملوا الأمانة، وأخذوا بأسباب الوظيفة
الرسالية العظمى. ومن هنا سطَّر وبيَّن الحق سبحانه في كتابه العزيز، عناصر وبنود
العمل التطهيري وتزكية النفس، لكي يستطيع المسلم القيام بأعباء تلك الرسالة.
ولما كان
المسلمون، إلا من رحم الله، غافلين عن هذا الأمر الجلل؛ أي الغاية من خلقهم
ووجودهم (العبودية، الابتلاء، الاستخلاف...)، وما ترتب عن تلك الغفلة من جهل
بالشريعة الإسلامية ومقتضياتها، ضعُف لديهم عنصر التزكية النفسية، أو كاد ينعدم. ولهذا
حُرِموا الفلاح لكونه مشروطا بتلك التزكية؛ قال تعالى: "قد أفلح من
زكاها" (الشمس 9)، وضيعوا دنياهم، وقد يخسر كثير منهم أخراهم.
إن موضوع التطهير
الروحي، وإصلاح النفس، وتربيتها، وتزكيتها، من الموضوعات القيمة التي حظيت باهتمام
العلماء والمربين المسلمين قديما وحديثا. ولا غرو أن تجد التراث الإسلامي التربوي
والأخلاقي، زاخرا بالكتب والرسائل العلمية التي تتناول موضوع النفس وأحوالها،
وعلاقتها بالقلب، وأثرها في شخصية الإنسان وسلوكه، وأيضا من حيث كونها؛ أي النفس،
محل التكليف، وهدف الخطاب الإلهي.
ولعل من أشهر من
كتب وألف في هذا المضمار؛ أبو الفرج جمال الدين بن الجوزي، وتقي الدين أحمد بن
تيمية، وتلميذه شمس الدين محمد بن قيم الجوزية رحمهم الله.
وبناء على أهمية
هذا الأمر ووجوبه، ينبغي لكل مسلم، أن يلتزم بما أمر الله به، ويجتنب كل ما نهى
عنه سيحانه؛ طاعة وامتثالا وعبودية، وسموا بالنفس وتطهيرا لها وتزكية. ويمكن تلخيص
ذلك في عناصر أربعة:
العنصر الأول:
ترسيخ عقيدة التوحيد في القلب، مع الاجتهاد في استحضار معاني أسماء الله وصفاته،
والتحلي بها والتفاعل معها.
العنصر الثاني:
القيام بالفرائض والأوامر، والواجبات الدينية، كما أمر الله وبين رسوله صلى الله
عليه وسلم.
العنصر الثالث:
اجتناب الكبائر، والمحرمات، والمنهيات، والذنوب والمعاصي المهلكة، والمفسدة
للطاعات.
العنصر الرابع:
الالتزام ببرنامج عملي؛ إيماني وإحساني. ويتضمن، على سبيل المثال، ما يلي:
1-
العزم على التوبة النصوح، ودوام الاستغفار،
والتقرب إلى الله، والإقبال عليه.
2- الحرص على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم،
والعمل بسنته.
3- الاجتهاد في التخلي عن الرذائل، والتحلي
بالفضائل.
4- حب القرآن، وقراءته، وتدبره، والتخلق به، مع
الالتزام بورد يومي منه.
5- الاجتهاد في تحصيل العلم الشرعي، ونشره قدر
المستطاع.
6- صلاة الرواتب والنوافل، وقيام الليل ولو مرة في
الأسبوع.
7- ممارسة الذكر، والمحافظة على المأثور من أذكار
الصباح والمساء.
8- وصل الرحم، وترشيد المعاملات
والعلاقات الأخوية والاجتماعية، والإسهام في أعمال الخير. والله أعلم.
وحرر يومه الخميس
بعد الفجر 13 رمضان 1441 موافق 7 ماي بقرية بني صالح من ضواحي تطوان المحروسة.
0 تعليقات