واحسرتاه !!... واحرَّ قلباه !! (أنين مهاجر)



 

إن السنوات التي كنت خلالها أبذل مجهودات كبيرة في تنشئة أبنائي ورعايتهم، وأفكر في حياتهم ومستقبلهم بعد العودة إلى الوطن الحبيب، هي السنوات نفسها التي، على حين غفلة مني، صاغت شخصيتهم، وغذتها بعناصر ومكونات الثقافة الأوربية، وأرضعتهم لبن التربية العلمانية، وبذرت في قلوبهم بذور المحبة للوطن الذي نشؤوا فيه، وترعرعوا في أحضانه، فكيف يغادرونه إلى وطن لم يتربوا فيه ولم يألفوه، ولا يتكلمون لغته إلا كلمات متقطعة، أو جملا مزركشة. كما ينفرون من عاداته وتقاليده، بل يستغربون من أسلوب حياة أهله ؟


ما كنت أحسب قبل عقود مضت، عندما غادرت وطني الحبيب، أن الأيام ستباغتني بهذه الدواهي المدهية، والنوائب المبكية، والشدائد والنكبات وقوارع الدهر؛ أحلامي لم تتحقق، وأبنائي تمردوا علي، وسخروا من أفكاري وتصوراتي، والبلد الأوربي الذي استقبلني بعد ما دعاني لبناء طرقه والعمل في الأعمال الشاقة، تنكر لي، وقلب لي ظهر المجن، بعد أن استغل فتوتي وشبابي، ثم أخذ مني أبنائي قسرا وقهرا، وأنا لا أتستطيع فعل شيء كأني مكتوف الأيدي.



إن الميراث الديني، والثقافي، والحضاري، الذي انتقل إلي عن طريق الآباء والأجداد، والذي شكل عناصر ومقومات هويتي وشخصيتي وكياني، تجمد في عروقي وأوصالي، لأني لم أستطع نقله وإيصاله إلى أبنائي، بسبب انقطاع التواصل بيني وبينهم، ذلك الانقطاع الذي نتج عن اختلاف التربتين والنشأتين.



عندما تجمد الميراث في أوصالي، وشعرت بنهايتي، حيث لم تتحقق سيرورتي الوجودية في شخص أبنائي، أورث ذلك حزنا عميقا في قلبي، وتولد عنه طائفة من الهواجس والوساوس، وأنواع من المخاوف والخيالات المؤذية.


 

إرسال تعليق

0 تعليقات