مأساة هجرة الأدمغة



 

تندرج هجرة الأدمغة في إطار ظاهرة الهجرة العمالية التي شهدها العالم منذ بداية النصف الأول من القرن العشرين، حيث هاجرت ملايين من البشر بوتيرة تصاعدية، بلدانها الضعيفة (آسيا، إفريقيا)، إلى البلدان الغربية الرأسمالية (أوربا، أمريكا)، وذلك بحثا عن العمل أو أملا في عيش أفضل. ولولا طبيعة النظام الرأسمالي العالمي القائم على منطق الظلم والاستعمار والاستغلال اللامحدود، لما كان لظاهرة الهجرة هاته وجود بهذا الشكل اللإنساني الفظيع.

وتشير بعض الدراسات الإحصائية الحديثة إلى وجود أكثر من 200 ألف مهاجر مغربي من حملة الشهادات العلمية في البلدان الغربية، يعملون في شتى القطاعات الحيوية. بل يهاجر كل سنة، ما يزيد عن ألف شاب مغربي من ذوي الكفاءات العلمية المختلفة إلى أوروبا وأمريكا.

لا شك أنهم يعانون آلام الغربة، ويتحملون على مضض صعوبات ومعاناة التكيف مع المجتمع الجديد، الذي كثيرا ما يضطرهم للتنازل تدريجيا، عن كثير من مكونات هويتهم وثقافتهم، مما قد يفرز انعكاسات خطيرة على المستوى النفسي، أو ينتج عنه، مع الزمن، ذوبان كلي تنمحي معه قسمات وخصائص شخصية المهاجر الأولى.

ولنا جميعا أن نتساءل: لماذا لا يهتم المسؤولون في حكومتنا بمعالجة هذا الموضوع ؟

لماذا يقدمون للشركات والمؤسسات الغربية شبابنا المكونين والمثقفين؛ ثمرة معاهدنا ومؤسساتنا، حصيلة سنوات من الدراسة والتحصيل ؟

أليس بلدنا أولى بأبنائه وشبابه ؟ لماذا هذا النزيف ؟ لماذا هذا التهجير والنفي ؟ بل لماذا هذا التواطؤ والمؤامرة على أبناء الوطن؟

ألا يستحق شبابنا المثقفون وعمالنا المهنيون المغتربون عيشا كريما في بلادهم وبين أقاربهم ؟

لا ضمير لكم أيها الأوغاد، يا من نصبتم أنفسكم للمسؤولية... كل القطاعات (الصحة، التعليم، الشغل...) حبلى بالمشاكل والكوارث بسبب نفاقكم، وكذبكم، وكبركم، وأنانيتكم، وإجرامكم.

لقد أبيتم إلا أن تقدموا شبابنا الضحايا قرابين للحكومات والمؤسسات الرأسمالية الغربية، كي ترضى عنكم، وتحافظوا بذلك على كراسيكم ومناصبكم، وتدخلوا مزبلة التاريخ.

بيد أنكم إذا نجوتم من المحاسبة الدنيوية، فلا مفر لكم من المحاسبة الأخروية يوم يعض الظالم على يديه. "أليس الصبح بقريب".

 

د. عبد الله الشارف، كلية أصول الدين، تطوان المغرب. محرم 1440 - شتمبر 2018.

إرسال تعليق

0 تعليقات