علم الاجتماع العربي ومنطق التبعية والاستيراد



 

إن علم الاجتماع علم ينتمي إلى حظيرة العلوم الإنسانية، ذات الأسس الفلسفية والأبعاد الإيديولوجية. ولقد بذل المؤسسون، والرواد الأوائل، والمنظرون السوسيولوجيون، جهودا متواصلة من أجل تشكيل وصياغة هذا العلم صياغة علمية، أسوة بالعلوم الطبيعية، وأملا في إخضاع الظواهر الاجتماعية للدراسة العلمية الموضوعية. بيد أن طبيعة موضوعه حالت دون تحقيق الغاية المنشودة، لا سيما أن الدارس؛ أي الإنسان، هو نفسه المدروس.

وهكذا فإن الإشكالية المنهجية في علم الاجتماع، لا زالت قائمة، كما أن الإطار الفلسفي والإيديولوجي سيظل محكما قبضته على بنية هذا العلم ومساره، بحكم طبيعة، وفلسفة، وأهداف، الأنظمة الليبرالية الرأسمالية الحديثة. بل إن هذا العلم قد ولج نفق أزمته البنيوية والوظيفية، بدءا من سبعينيات القرن الماضي؛ حيث كثرت الدعوات إلى إعادة النظر في أسسه، ومناهجه والبحث عن سبل العلاج.

ولقد انعكست هذه الأزمة على علم الاجتماع العربي، الذي لم ينطلق ولم يتأسس بعد، فيما ذهب إليه بعض النقاد وكبار السوسيولوجيون العرب.

إن المسيرة العلمية لعلم الاجتماع العربي، قد انطلقت من القطر المصري الذي تضافرت فيه عوامل ثقافية وسياسية وتاريخية معينة، ثم انتقلت التجربة المصرية إلى باقي البلدان العربية، شرقا وغربا، حيث شهدت جامعاتها الناشئة تأسيس عدة أقسام لتخصص علم الاجتماع.

وإذا كان علم الاجتماع العربي، سواء في مظهره الأكاديمي والجامعي، أو في أبحاثه المرتبطة بالدوائر الإدارية والحكومية، قد حاول شق طريقه نحو الإسهام في فهم وتحليل الواقع  العربي، مع الانخراط في مشاريع ثقافية، وتربوية، وسياسية، من أجل الإصلاح والتغيير، فإنه لم يستطع التخلص من الإرث الاستعماري السوسيولوجي والأنتربولوجي.

وهكذا نجد أن جل الدراسات السوسيولوجية في العالم العربي، التي تتناول موضوعات اجتماعية مثل؛ الأسرة العربية، أو العادات والتقاليد، أو النظم والعلاقات الاجتماعية داخل قرية أو مدينة عربية، أو موضوعات دينية متعلقة بالإسلام؛ دينا ومجتمعا وتراثا وحضارة، إلى غير ذلك من الموضوعات والقضايا، تعكس في مفاهيمها ومنهجها وتحليلها، كثيرا من نظريات وآراء وتصورات علماء الاجتماع الفرنسيين والإنجليز، الذين قاموا في الوطن العربي بأبحاث نظرية وميدانية، وذلك خلال عقود طويلة، بدءا من مرحلة ما قبل الاستعمار ومرورا بالفترة الاستعمارية كلها.

وعلى المستوى المدرسي والمنهجي، فإن الأعمال السوسيولوجية العربية تبنت في البداية، منهج ونظريات المدرسة الوضعية التي أسسها أوجست كونت وطورها إميل دوركايم، ثم مالت إلى المدرسة الوظيفية، أو المدرسة الماركسية القائمة على المادية الجدلية والتاريخية.

إن هذا السلوك والمنهج اللاعلمي الذي سلكه ويسلكه السوسيولوجيون العرب، يشير إلى وجود وطغيان ظاهرة التقليد والتبعية في الكتابات السوسيولوجية العربية. إن استيراد المناهج والنظريات والمفاهيم الغربية في علم الاجتماع، ومحاولة استعمالها كأدواة ووسائل لفهم وتحليل الواقع العربي، نتج عنه انحراف وضبابية في النظر إلى هذا الواقع، ورصد مكوناته ومعطياته. ذلك أن تلك النظريات، والمفاهيم الاجتماعية الغربية، قد أفرزها واقع اجتماعي مختلف عن الواقع الاجتماعي العربي على جميع المستويات، فلا يمكنها، بأي حال من الأحوال، أن تعكس في آن واحد، واقعين اجتماعيين مختلفين اختلافا كليا.

ولعل السقوط في مأزق الاستيراد هذا، يعبر عن ضعف كبير، لدى السوسيولوجيين العرب، في إدراك الفروق الجوهرية بين الإنتاج المادي والإنتاج الفكري للحضارة الغربية؛ حيث أنهم آمنوا بمشروعية الاستيراد المطلق، مهما كانت طبيعة ومعدن المنتوج المستورد. وهذا الموقف يقدح في مستوى الفهم والوعي  بالقوانين والسنن التي تحكم طبيعة الحياة الاجتماعية وسيرورتها.

د. عبد الله الشارف، كلية أصول الدين، ذو الحجة 1439-غشت 2018 / تطوان المغرب.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات