الإنسان وقيود نفسه

الإنسان وقيود نفسه


إن الانسان وهو يسعى وراء تحقيق أمر أو إنجاز عمل، ينبغي أن يكون متصفا بالإرادة، ومدركا للطريق أو المنهج المؤدي إلى تحقيق ذلك الأمر أو إنجازه، إضافة إلى توفر عناصر نفسية أو معنوية أخرى؛ مثل التفاؤل، والصبر، والمرونة، وحسن التكيف، والتفاعل والتواصل مع البيئة الاجتماعية.


ومن بين العوامل النفسية المساعدة أيضا على تحقيق الآمال وإنجاز الأعمال؛ هناك عامل ذاتي باطني قلما يلتفت إليه؛ وهو تحرر النفس من مجموعة من الأوصاف والأخلاق التي قد تعيق، بل قد تقف في وجه العمل والإنجاز. ويصعب على الإنسان التخلص منها بالكلية، أو دفعة واحدة. ومن بين هذه الأخلاق والأوصاف على سبيل المثال: العجب، والغرور، والكبر، والرياء، والطمع، والحسد، والحرص الشديد على حظوظ النفس، والأنانية، والخوف.

وقلما يسلم الإنسان من بعض هذه الأخلاق الذميمة والسلبية، لا سيما إذا كانت نفسه تلهث وراء الحظوظ الدنيوية، أو كانت أسيرة شهواتها ورغباتها. وقد يستطيع الإنسان بلوغ مراده الدنيوي وتحقيق أمله وهو سجين هذه الأخلاق، لكن بعد معاناة نفسية واجتماعية. ذلك أن الإنسان المغرور والمتكبر والأناني...، تعترض سبيله كثير من المشاكل بسبب شخصيته المتكبرة أو المغرورة أو الأنانية... مما قد يؤدي إلى نوع من النفور بينه وبين وسطه الاجتماعي، والذي بدوره قد يؤثر سلبا على شخصيته ونفسيته، فيضطر مثلا لممارسة الكذب والنفاق كي يستميل قلوب الناس، مع تحمل المعاناة النفسية الناتجة عن ذلك السلوك. ويكفيه ألما نفسيا اطلاع الناس على أهدافه ونواياه الخبيثة والدنيئة.

بيد أن هذا الإنسان الطموح إذا استطاع التخلص من تلك الأخلاق الذميمة والمستهجنة، فسيخلو له الجو لا محالة، وسيظفر بما يطمح إليه دون مكابدة أو معاناة نفسية. لكن هيهات، فأنى له أن يتخلص منها وقد امتزجت روحه بروحها، وما أصعب الفتق بعد الرتق.

أما الإنسان اللبيب الطيب، ذو الصدق والمروءة والشهامة، فيجب عليه، وهو في طريقه إلى تحقيق الأهداف النبيلة؛ كتحصيل علم نافع، أو الانخراط والإسهام في أمر إصلاحي أو دعوي... أن يجاهد نفسه ويجتهد في اجتناب تلك الأوصاف والأخلاق النفسية الدنيئة، وكذا الأهواء والحظوظ الذاتية التي تتعارض مع تلك الأهداف السامية التي يروم تحقيقها.

إن هذا الإنسان ينطلق بقوة وثبات نحو إنجاز عمله العلمي أو الدعوي أو التربوي... ولا يعتريه في ذلك كسل أو فتور لخلو باطنه من تلك الأخلاق والموانع النفسية. وكلما جاهد نفسه وزكاها وهذبها وروضها على الأخلاق الحسنة حتى ينقاد طبعها وتركن إلى أصل فطرتها، كلما كانت النتيجة والثمرة أطيب وأنفع له ولغيره. وحينئذ يشق طريقه نحو العلا والأهداف السامية، بكل سهولة وتلقائية ويسر.

وإذا ما اطلعنا على سير الأبطال والقادة والمصلحين والدعاة والعلماء الصادقين، وجدنا أنهم كانوا متصفين بالأخلاق الإنسانية السامية، وأنهم قد عملوا على تجريد أنفسهم من الصفات والأخلاق السلبية، لكونها تتعارض مع أهدافهم النبيلة ومشاريعهم البناءة. كما أنهم استرخصوا كل نفيس لديهم في سبيل الوصول إلى تلك الأهداف، فكانت الأخلاق الكريمة من كرم وشجاعة وصدق وإخلاص وتواضع وإيثار...بارزة في هيكل شخصياتهم وفي مظاهر سلوكهم وتصرفاتهم.

إن من يريد قطع خمسين كيلومتر في اليوم الواحد مشيا على الأقدام، قد ينجح في مسيرته، بخلاف إذا أراد قطع المسافة نفسها وهو يحمل على ظهره كيسا يزن ثلاثين كيلوجرام. فالأول مثل من يريد نيل العلا وإنجاز الأعمال الهامة بدون قيود نفسية. والثاني مثل من يحلم بتحقيق ذلك مع الاحتفاظ بالقيود النفسية والتعلق بها. ولقد ثبت علميا ونفسيا منذ القدم وفي كل الحضارات والثقافات، أن الإنسان كلما كان متحررا من القيود النفسية؛ من عجب وكبر ورياء وحسد وخوف وطمع ونفاق وأنانية... كلما كان نظره صائبا وأحكامه ومواقفه رشيدة وسديدة وأهلا لتحقيق الإنجازات والأعمال العظيمة والرائعة في شتى الميادين. إن تلك القيود هي بمثابة الحجب التي تمنع صاحبها من النظرة الثاقبة والرأي السديد والموقف الرشيد. فإذا رقت تلك الحجب أو أزيحت، جاء النصر والظفر وتحققت الآمال.

د. عبد الله الشارف، كلية أصول الدين تطوان، شعبان 1437-يونيو 2016.

إرسال تعليق

0 تعليقات