حدث شاب صديقه:
لقد وعدك البارحة مدير بالعمل في شركته، بدءا من مطلع الشهر القادم. أليس كذلك ؟
أجل.
ووعدك الله الفردوس والملك الكبير والنعيم الخالد إن أنت عبدته مخلصا له الدين.
أجل.
هلا أخبرتني بنسبة اليقين في الوعدين كليهما ؟
وعد مدير الشركة يتراوح اليقين فيه ما بين صفر ومائة. ووعد الله يتجسد فيه اليقين مائة في المائة.
حدثني عن شعورك وأملك خلال مقابلتك لمدير الشركة.
لما استقبلني في مكتبه، أحسست بروح السعادة تسري في كياني، وهمت في عالم الآمال والأحلام، واستيقنت أن ما كنت أرجوه وآمل تحقيقه قد دنا مني وأقبل علي.
أخبرني عن شعورك ومناجاتك لربك وأنت تصلي.
آه، ما أتعسني. لو كان شعوري وأملي وأنا أناجي ربي في صلاتي شبيها بشعوري وأملي وأنا أقابل المدير، لفزت بالحسنيين ونعيم الدارين.
هل هذا يعني أن يقينك في الله أضعف من يقينك في مدير الشركة ؟
كلا، إن يقيني في الله الرزاق الرحيم أقوى من يقيني في المدير ووعوده.
لكن كيف تفسر الفرق الواضح، على المستوى النفسي، بين مقابلتك للمدير ومناجاتك لربك أثناء صلاتك ؟ وبعبارة أخرى؛ ما هو تعليلك لوجود التركيز العقلي وحرارة الوجدان، وسريان معاني الآمال والأحلام في كيانك وأنت تتحدث إلى المدير من جهة ؟ ومن جهة أخرى شعورك بالفتور العقلي وضعف التركيز واليقظة، وضعف أأأأو برودة في الوجدان، وانصراف عن جوهر الصلاة إلى السياحة في خواطر النفس وأهوائها وأنت تصلي ؟
إن ما أشرت إليه نفيس وصحيح، وأظن أن سبب ذلك يكمن في ضعف الإيمان.
لكنك قلت قبل قليل؛ إن يقينك في الله أقوى من يقينك في مدير الشركة ووعوده.
نعم وما زلت أعتقد ذلك.
وكيف يمكن الجمع يا صديقي، بين قوة اليقين في الله ووعده، وضعف الإيمان به ؟
أجل يمكن الجمع بينهما، بل إن المسلمين لديهم اليقين في أن الله لا يخلف وعده، وأن الجنة حق والنار حق. ومع ذلك فإن معظمهم مقصرون ومذنبون وغافلون، وما ذلك إلا لضعف إيمانهم.
اسمع يا صديقي وكن فطنا؛ إن اليقين الذي لا يثمر قوة في الإيمان، ولا يكره إليك الذنوب والمعاصي، ولا يجنبك الغفلة، هو يقين إقرار لا يقين ذوق ووجدان وإحسان. قال رسول الله صىلى الله عليه وسلم: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا" (رواه مسلم). وجاء في حديث آخر صحيح: "... والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
إن يقين الإقرار؛ أي أنك تقر أن الله لا يخلف وعده...، لا يكفي يا صديقي، بل لا يعول عليه، ويشترك فيه الصالح والطالح. إنه ينبغي أن يتواطأ في اليقين عقلك وقلبك، وما ثم غير قلبك. وإلا فأنت تضرب في حديد بارد، ولن تبلغ المراد.
يا صديقي؛ إن القطيعة إذا أقيمت بين العقل أي القلب واليقين الذوقي الإحساني، فإن ذلك يؤدي إلى ضعف في الإيمان، وتعلق شديد بالدنيا وعالم الشهادة، وعزوف عن الآخرة وعالم الغيب. وهذا هو الداء الذي عز دواؤه، وغاب بين الناس أطباؤه.
جزاك الله على هذه النصيحة والإشارة اللطيفة، وسأراجع نفسي وأتأمل حالي إن شاء الله قبل فوات الأوان.
د. عبد الله الشارف، كلية أصول الدين، تطوان المغرب، رجب 1437- أبريل 2016.
0 تعليقات