في صباح هذا اليوم، كنت على موعد مع (م.ش) وهو عامل مغربي مهاجر يعيش ويشتغل في مدينة والبة huelva شرق إقليم الأندلس بجنوب اسبانيا. وكان حديثنا يدور حول أوضاع المغاربة الاجتماعية في هذا البلد. ولقد أخبرني هذا العامل المهاجر أن الوضعية الاجتماعية والنفسية للعمال المغاربة المقيمين في إسبانيا، تعتبر وضعية مأساوية على جميع المستويات؛ حيث إن البطالة منتشرة انتشارا ذريعا بينهم، مما يؤثر سلبا على حياتهم الأسرية. كما أن معظم الأبناء لا مستقبل لهم، وسيخلفون آباءهم في البطالة والبؤس والتهميش، ذلك أن أغلبهم لا ينهي دراسته الثانوية، بله ولوج أبواب الكليات. ويتعاطى كثير منهم المخدرات، كما يمارسون السرقة وأنواعا من الجرائم مما يجعل السلطات تزج بهم في السجون. وهذا أمر معروف، تتداوله وسائل الإعلام الإسبانية.
كما أخبرني أن الأسر المغربية المقيمة في إسبانيا تعرف تصدعا خطيرا، فيما يخص العلاقة بين الزوجين، أو بينهما وبين الأبناء الذين يغلب عليهم سلوك التمرد والثورة على قيم الأبوين.
وحكى لي هذا المهاجر أمرا غريبا وقع لابنته ثريا في المدرسة، أثناء قيام التلاميذ بمادة الرسم. ذلك أنه استدعي ذات يوم من طرف معلمة ابنته التي أخبرته أن ثريا وحدها امتنعت عن رسم الكنيسة؛ موضوع مادة الرسم. ورغم إلحاح معلمتها فإنها لم تستجب، وقد رسم الكنيسة كل التلاميذ الذين هم من أصول عربية. وقالت المعلمة مستفسرة: "ما الذي جعل ابنتك تمتنع عن هذا الرسم ؟ " فأجابها السيد (م.ش): لا أدري". فأردفت قائلة: "لعلك أسمعتها كلاما قبيحا عن الكنيسة" ؟! فقال : "هذا ممكن، وهو موقف قد يصدر من مسيحي فيما يتعلق بمسجد المسلمين".
يستفاد من هذا الحوارالقصير، أن التعليم في أوربا الذي يقوم أساسا على مبادئ العلمانية، يصر كثير من أعضاء أسرته على القيام بوظيفة التنصير وزعزعة العقيدة الإسلامية في قلوب أولئك التلاميذ، سيما إذا كان بعض أو أغلب تلاميذ القسم من أصول عربية.
وورد في كلام هذا المغربي المهاجر أن الزوجة المغربية كثيرا ما تثور على زوجها لعلمها أن السلطات الإسبانية تحميها وتقف في جانبها ولو كانت ظالمة. وإذا ما ضربها زوجها أو هم بذلك، أو هددها... قد تستدعي الشرطة، وحينذاك يفرق بينهما، وتمكث الزوجة وأولادها في البيت. أما الزوج فيمنع من الوصول إلى البيت أو الاتصال بزوجته وأولاده.
وأكد لي السيد (م.ش) أن كثيرا من المغربيات انفصلن عن أزواجهن بطريقة أو أخرى، وتزوجن برجال إسبانيين. وهذه ظاهرة اجتماعية شائعة في إسبانيا، مما يدل على جهل أغلب المغربيات المقيمات في هذا البلد، وعلى انسلاخهن تدريجيا من مبادئ وقيم الدين والشريعة الإسلامية.
كما لاحظ، من جهة أخرى، أن عددا هائلا من النساء المغربيات يعملن في قطاع الفلاحة. ثم لما ينتهي موسم هذا القطاع، يلتجئ بعضهن إلى البحث عن العمل كخادمات في البيوت، أو الإشراف على العجزة أو العمل في المقاهي والحانات...بل كثير منهن يحترفن البغاء والدعارة. إن هذه المظاهر الفظيعة والمخزية جعل الإسبان ينظرون إلى المغاربة المقيمين عندهم نظرة احتقار وذل ومهانة.
ويتعجب السيد (ش.م) لهؤلاء الرجال، بل الذكور، الذين سمحوا لزوجاتهم أو بناتهم أو أخواتهم، بمفارقة الأهل والوطن، والذهاب للعمل في بلاد أجنبية تحارب الشرف والمروءة، وتحتقر المسلمين، وتعادي دينهم وهويتهم.
إن هذا العمل الشنيع الذي أقدم عليه هؤلاء السفهاء، لا يقبله عقل ولا شرع، بل تنفر منه الفطرة الإنسانية. إن هذا الذي أذن لامرأته أو ابنته أو أخته، كي تسافر إلى بلاد النصارى والعلمانيين والملاحدة، لتشتغل في الفلاحة أو البيوت أو المقاهي والحانات، أو تمارس البغاء، كل ذلك من أجل الدنيا وجمع المال، لهو إنسان سفيه لا عقل له ولا مروءة. كما أنه جاهل جشع، طامع في حطام الدنيا، ولو على حساب الدين والكرامة والعرض. إنه خسيس وساقط ووضيع. وجمع من الدناءة والسفالة والحقارة والنذالة، ما جعله يفتخر بامرأته أو ابنته، ويتعبر ذلك شجاعة وبطولة، علما بأن الأوربيين قد داسوا كرامتها وأذلوها واستعبدوها.
وإني لأستغرب كيف انحطت القيم الدينية والخلقية في قلوب كثير من المغاربة. وكيف تولد عن هذا الأمر وجود صنف من الرجال والنساء رضوا بأن يصبحوا عبيدا محتقرين ومهانين في بلاد النصارى.
أين شهامة المغربي وتدينه ومروءته؟ أين بطولته وهيبته؟
لقد صدق رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال: " يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها. قال: قلنا يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ؟ قال أنتم يومئذ كثير ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن. قال: قلنا وما الوهن قال حب الحياة وكراهية الموت" (رواه الإمام أحمد).
كما قال صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه". (رواه الشيخان).
إن هذا الوضع الاجتماعي والتربوي الخطير الذي تحياه كثير من الأسر المغربية، يدل على وجود خلل فظيع في التصور العقدي، وتردي مخيف على مستوى الإيمان والأخلاق. ويبدو أن هذه المظاهر الاجتماعية الخطيرة، إضافة إلى العوامل الداخلية، قد أسهم في إيجادها ذلك العمل التخريبي والإفسادي الذي تسهر عليه قوى الشر في العالم، مستهدفة كل القيم الدينية والأخلاقية الإسلامية.
وقد يقول قائل معترضا: "إن هذا المغربي الذي وصفته بالذل والمهانة، لأنه ارتكب جريمة عندما أرسل امرأته أو شجع ابنته على السفر إلى أوربا للعمل فيها، لم يفعل ذلك اختيارا، وإنما أكره عليه بسبب الفقر."
أقول لهذا المعترض: "هل المغرب لا يوجد فيه رزق؟ ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: "لو أنكم تتوكلون على حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا" (رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي..). كما أن هذا الذي بعث امرأته للعمل ذليلة ومحتقرة في بلاد النصارى، قد تجده لدناءته وخسته وخبث معدنه، يقضي معظم أوقاته بين المقاهي، أو يتسكع في الشوارع والأزقة، ينتظر المال الذي ترسله إليه تلك الضحية الغبية، كي يطعم نفسه وأولاده. أي حمق هذا، وأي سفاهة وعار؟؟
د. عبد الله الشارف، كلية أصول الدين، تطوان المغرب. شوال 1436- غشت 2015.
0 تعليقات