الإسلامولوجيا الفرنسية؛ صورة من الاستشراق الجديد (1)

 

p15_20071210_pic1

 

 بسـم الله الرحمن الرحيم

الإسلامولوجيا تخصص علمي أكاديمي بدأ يظهر قبل بضعة عقود في الجامعات الغربية. ويبدو أن وراء انتشاره عوامل كثيرة؛ لعل من أبرزها أن الاسلام أصبح له وجود م ركزي في الثقافة الغربية، بل يشكل تحديا كبيرا لها. ومن هنا انجذب كثير من الباحثين الغربيين إلى الاسلام؛ دينا  وثقافة و، يبحثون فيه ، ويتساءلون عن أسباب يقظته وانتشاره.

ومن حيث الجانب السياسي، فإن بعض الأحداث مثل الثورة الإيرانية والجهاد الأفغاني، وكذا النتائج السياسية والاجتماعية والثقافي للصحوة الإسلامية، ثم أحداث 11 سبتمبر 2001... إلخ، كل ذلك دفع كثيرا من الغربيين إلى مزيد من البحث في الإسلام ومجتمعاته. كما قد يضاف إلى عوامل نشأة الإسلامولوجيا؛ عامل وجود ملايين من المسلمين في أوربا وأمريكا، وهو حضور ثقافي وديني له وزنه وتأثيره في الثقافة الغربية. ولا ننسى أيضا ظاهرة التحول من المسيحية إلى الإسلام والتي غدت من الظواهر الدينية والثقافية الجديدة.

إن دخول مآت الآلاف من الغربيين في الإسلام، الذين قد يصبح عددهم بضعة ملايين بعد سنوات أو عقود، ليوحي إلى الغرب بأن هذا الدين ينطوي على حيوية خاصة ومميزات تجعله يواكب العصر ويجيب عن الأسئلة الحرجة، ويستجيب لمطالب النفس خاصة فيما يتعلق بالفراغ الروحي.

وإذا كانت شعب أو تخصصات الإسلامولوجيا في الجامعات الغربية يدرس فيها الطلبة المواد المتعلقة بالإسلام دينا وثقافة وتاريخا وواقعا معاصرا، فإن الأساتذة الإسلامولوجيين المشرفين على هذا التخصص الجديد، تربطهم بالمستشرقين روابط وأواصر القرابة العلمية المتعلقة بموضوع الإسلام والمسلمين. بل كثير منهم تتلمذوا على أساتذة مستشرقين.

ورغم أن عمل الإسلامولوجيين، أساتذة وباحثين، لا يختلف من حيث الجوهر والروح عن عمل المستشرقين، إلا أنهم ينفرون من مصطلح الاستشراق، ويقلقون لمجرد نعتهم بالمستشرقين الجدد.

يقول أوليفيه روا، وهو أحد أبرز الباحثين الفرنسيين في مجال الإسلامولوجيا، ومن أقطاب “الإستشراق الفرنسي الجديد” :

“إنتقلت الدراسات الإسلامية عندنا من فترة المستشرقين الكلاسيكيين الذين كان إهتمامهم منصبّاً أساساً في التخصص في مجالات دراسة القرآن والتاريخ الإسلامي واللغات والآداب الشرقية، أمثال مكسيم رودنسون وجاك بيرك وكلود كاهين، إلى جيل جديد من الباحثين المتخصصين أساساً في السوسيولوجيا والعلوم السياسية. هذه الفئة الجديدة من الباحثين لا ترى أن الدراسات الفقهية القرآنية أو التاريخية هي أداتها الرئيسية في دراسة الظواهر الإسلامية المعاصرة وتحليلها، بل المحكّ بالنسبة لها هو البحوث الميدانية. ... ونحن بخلاف الكلاسيكيين لا نسعى لفهم الظواهر الإسلامية المعاصرة في ضوء دراسة التاريخ أو الفقه أو الآداب القديمة، بل تنعامل مع هذه الظواهر التي ندرسها من خلال أدوات البحث العلمي التي نعتمدها لتحليل أي ظواهر إجتماعية أو سياسية أخرى ندرسها شرقية كانت أم غربية. لكن هذا لا يعني أن هذا الجيل من الباحثين له نظرة واحدة وآراء متوافقة في مجال الإسلاميات والإستشراق، بل لكل واحد منهم خصوصيته وتوجهه وأفكاره، أما السمة المشتركة التي جعلتهم يؤلفون ظاهرة متميزة فتكمن في كونهم جميعاً متخصصين إما في السوسيولوجيا أو في العلوم السياسية، وهو ما  يجعلهم يغلبون دوماً الدراسة الميدانية على دراسة النصوص"[1]

"و يرى اوليفيه روا أن التحول الذي حققه الجيل الجديد من المستشرقين الإسلامولوجيين يعود لعدّة أسباب؛ أهمها خصوصية الإستشراق الفرنسي المغاير للتجربة الإنغلوساكسونية والتي يمثّلها اليوم برنارد لويس، والقطيعة التي تعمّقت أكثر، بفضل ما إكتسبناه نحن الأكاديميين من استقلالية فكرية وتحويلية، ومن هامش نقدي تجاه المؤسسات الرسمية ومراكز القرار السياسي والعسكري. ينتقد أوليفيه روا أعمال برنارد لويس بشدّة لأنه لا يزال يعتمد الأدوات الكلاسيكية، الأمر الذي أدّى به إلى الإرتماء في المحافظين الجدد وإتخاذه مواقف عدائية من الإسلام والمسلمين."[2]

أوليفييه روا من مواليد سنة 1949 بمدينة «لاروشيل»، غرب فرنسا. ينحدر من أصول دينية بروتستانتية. يحمل إجازة في الفلسفة ودكتوراه في العلوم السياسية. يشغل حالياً منصبي مدير الدراسات بالمدرسة العليا الفرنسية للعلوم الاجتماعية، ومدير الأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي.

بدأ دراساته التخصصية في مجال إلاسلامولوجيا مطلع الثمانينيات، وكان ذلك على إثر رحلات بحث ميدانية عدة أجراها في إيران وأفغانستان. أصدر أول كتاب له في مجال الإسلاميات، سنة 1985، بعنوان «أفغانستان: الإسلام والحداثة السياسية». ومن أبرز مؤلفاته :«فشل الإسلام السياسي» ( 1992)، «جينيالوجيا الإسلامية» (1995)،«آسيا الوسطى الجديدة أو مصنع الأمم» (1997)،«إيران: كيف يمكن الخروج من ثورة دينية؟» (1999)،«نحو إسلام أوروبي»  ( 1999)،«الشبكات الإسلامية : الرابطة الأفغان ـ باكستانية» (2002)،«عولمة الإسلام» ( 2002)،«تركيا اليوم : هل هي بلد أوروبي؟» (2004).

ان كتابات أوليفييه روا عن الاسلام والمسلمين تسير في خط موازي للاستشراق الجديد، مع التركيز على الحركات السياسية الاسلامية أو الاسلام السياسي. كما أن المطلع على مؤلفاته المتعلقة بالاسلام السياسي، يلمس بأن هذا الاسلامولوجي يحكم على هذا المجال بالفشل الذريع؛ أي أن جميع الانتفاضات والحركات والتوجهات السياسية الاسلامية المعاصرة، آيلة إلى الذبول ثم الفناء لانها لا تقوم على مشروع علمي وعقلاني، بل مجرد مواقف وسلوكات انفعالية واندفاعية وردود فعل إزاء الضغوط الدكتاتورية وعوامل الفقر والاستبداد. بل إنه ذهب في كتابه؛ "الاسلام المعولم" إلى أن ثقافة المجتمعات الاسلامية ما زالت تتأثر بالثقافة الغربية وتواصل طريقها نحو تبني تصوراتها وتمثلاتها. وبعبارة أخرى فإن هذه الثقافة ستذوب مع الاجيال القادمة في الثقافة الغربية الكونية. ومن هنا فان الاسلام، في رأيه، ثقافة ومجتمعا سينخرط لا محالة في تيارالعولمة المعاصرة.

وفي هذا الصدد وتحت عنوان ؛ هل انتهى «الإسلام السياسي» كما تبشر الكتابات الغربية؟ كتبت صحيفة الوسط البحرينية:

كان الباحث الفرنسي «أوليفييه روا» أول من بشر بـ "ما بعد الإسلام السياسي»، وذلك في كتابه «فشل الإسلام السياسي» الصادر في العام 1992، ثم جاء بعده زميله الفرنسي أيضا «جيل كيبيل» فطور المفهوم في كتابه «جهاد... انتشار وانحسار الإسلام السياسي»، وقارن فيه تجربة الإسلام السياسي أو «الإسلاموية» بالتجربة الشيوعية، فالإسلاميون فيهم ثوريون  مثل الشيوعيين، ثم عاد «أوليفييه روا» وتلميذه السويسري «باتريك هاني» لتطوير الأطروحة بالحديث عن تحول الاسلام السياسي الاجتماعي، في هذا أصدر «روا» كتابه  «الإسلام المعولم»، بينما أصدر هاني كتابه الذي لا يقل أهمية «إسلام السوق». على جانب آخر، كان «فرانسوا بورجا» أحد أبرز المختصين الفرنسيين أيضا في الإسلام السياسي يصر على رفض الأطروحة والمفهوم، ويعتبر الإسلام السياسي حركة هوية، ويراها مرحلة جديدة في مواجهة الاستعمار مثلما طرح في كتابه ذائع الصيت «الإسلام السياسي صوت الجنوب".[3]

إن فرانسوا بورجا  (1958_) يذهب مذهبا آخر ويرى أن هذه الانتفاضات والحركات السياسية الاسلامية تعبر عن توجه تغييري عميق، وعن حركة قوية نحو الرجوع إلى الذات والهوية الاسلامية. وقد يكون فرانسوا هذا الاسلامولوجي الفرنسي الوحيد الذي يبدي الميل والتعاطف مع القضايا العربية.

"أكد الأكاديمي الفرنسي والباحث في معهد الأبحاث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي، فرانسوا بورجا، ضمن الندوة التي نظمها أخيرا منتدى الكرامة لحقوق الإنسان في بمناسبة المنتدى العالمي لحقوق الإنسان المنعقد بمراكش، أن هناك علاقة وطيدة بين تراجع الديمقراطية في دول الربيع العربي، وبين تنامي قوة التطرف والإرهاب.

وأفاد بورجا، في لقاء مناقشة مع كل من بنسالم حميش، وعبد العلي حامي الدين، حول التحولات السياسية في العالم العربي وقضايا حقوق الإنسان، أن "الغرب يتحمل مسؤولية تدهور الأوضاع في سوريا ومصر وغيرها، وإن صمته على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان هو امتداد لمواقفه الداعمة للأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط".

وشدد المتحدث على أن الاحتجاجات التي انطلقت في سوريا كانت سلمية، وترفع شعار الشعب السوري واحد، لكن النظام حول معركته ضد الحرية والديمقراطية إلى معركة ضد السنة، ونجح في تحويلها إلى معركة طائفية بين الشيعة والسنة، وبقي العالم الغربي يتفرج في الوقت الذي كانت فيه روسيا وإيران تدعمان نظام الأسد....

وتفاعل فرنسوا بورجا، عضو المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، مع هذه الإشارة بالقول: "إن الغرب كان دائما يدعم الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي، فلا داعي للاستغراب مادام أن الغرب أعطى جائزة لكل من بنعلي وبوتفيلقة وحسني مبارك على احترامهم لحقوق إنسان".[4]

يتضح من كلمات هذا النص أن فرانسوا بورجا يقرأ السياق الاجتماعي والسياسي للاحداث الاخيرة في المنطقة العربية، قراءة لا تحمل في طياتها المواقف والاحكام التي تزخر بها كتابات وتآليف الاسلامولوجيين الفرنسيين المعاصرين من أمثال أوليفييه روا  وجيل كيبل وبرونو إتيان وغيرهم. بل ينتقد الحكومات الغربية التي تساند الحكام العرب المستبدين، وتخذل الثورات والانتفاضات العربية بموقفها السلبي إزاء ما يحدث من مآسي وكوارث مع كونها تدعي الديمقراطية والدفاع عن حقوق الانسان.

ولعل السنوات الطويلة التي قضاها هذا الاسلامولوجي الفرنسي في بعض البلدان العربية تكون سببا من الاسباب جعلته أقرب إلى الموضوعية والتجرد في أبحاثه وكتاباته المتعلقة بالعالم العربي والاسلامي. ذلك أنه؛ "درس القانون في مدينة قسنطينة الجزائرية (1973_ 1980)، واشتغل بالابحاث والدراسات في القاهرة (1989_ 1993)، وعمل مديرا بالمعهد الفرنسي للشرق الاوسط بدمشق (2008_ 2012) ثم في بيروت (2012_ 2013)".

وله مؤلفات كثيرة حول الوضع السياسي والاجتماعي في العالم العربي؛ منها: "الاسلام السياسي؛ صوت الجنوب"، و"الاسلام السياسي في المغرب العربي" (1995)، و"الاسلام السياسي زمن القاعدة" (2005)، و"اليمن نحو الجمهورية" (2005)، و"ليبيا" (2003)، و""الاسلام السياسي في المواجهة" (1996) وغيرها من  المؤلفات.

 

[1] - مقابلة مع أوليفيه روا: إستشراقنا لا علاقة له بإستشراق الإستخبارات الإنغلوساكسونية، (جريدة الأخبار،30 حزيران، 2008).

2- المرجع السابق.

[3]-.صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2450 - الجمعة 22 مايو 2009م الموافق 27 جمادى الأولى 1430هـ

[4] -  صحيفة "هسبريس" الالكترونية (المغرب)، نور الدين لشهب، 2_12_2014.

 

د. عبد الله الشارف؛ مكة المكرمة، صفر الخير 1436_ دحنبر 2014.

إرسال تعليق

0 تعليقات