علم الاجتماع الغربي؛ شرط أساسي من شروط النهضة والتنمية العربية؟

 

 

 

 

mritems-images-2001-3-2-1_596_1_34

علم الاجتماع الغربي من العلوم الإنسانية ذات النشأة الحديثة (القرن التاسع عشر الميلادي)؛ نشأ وتأسس في فرنسا عقب الأحداث والتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، أهمها؛

1-  تفكك النظام الإقطاعي وبروز النظام البورجوازي.

2-  ظهور الصناعة كقوة اقتصادية.

3-  حدوث الثورة الفرنسية.

كما يمكن إضافة العامل الثقافي الذي تجسد في الروح العلمية الجديدة، بعد صراع مرير بين العلماء الأحرار وأرباب الكنيسة، مما أدى إلى سيادة الفلسفات المادية والعقلانية، وانتصار قيم العلمانية.

لقد حمل مشعل علم الاجتماع الغربي خلال قرنين من الزمن سوسيولوجيون مؤسسون ومنظرون، أمثال: أ.كونت، وإ. دوركايم، وم. فيبر، ف باريتو، وأ. دوتوكفيل، وكارل مانهايم.... وسوسيولوجيون منظرون معاصرون، أمثال: ل.ألتوسير، وج بودريار، وأ. تورين، وج. جورفيش، وأ. غولدنر، ور. ميرتون، وت. بارسونز، وآخرون. ورغم أن موضوعهم واحد؛ وهو المجتمع في تجلياته الثابتة والمتحركة، إلا أنهم اختلفوا في رؤيتهم وتحليلهم للظواهر الاجتماعية، وذلك لاختلاف المناهج والأرضية الفلسفية والمذهبية؛ (علم الاجتماع الماركسي، علم الاجتماع الرأسمالي...). وبعبارة أخرى؛ فإن نظريات علم الاجتماع الغربي ومواقف وتصورات وممارسات السوسيولوجيين الغربيين، كانت ولا تزال إفرازا وتعبيرا عن إيديولوجيات معينة.

ثم انتقل علم الاجتماع الغربي إلى مجتمعاتنا العربية والإسلامية، عن طريق المحاكاة والتبعية، وظل محصورا داخل أقسام بعض الجامعات والمعاهد والمؤسسات. وأقيمت أبحاث ودراسات اجتماعية في موضوعات متعددة، وألفت كتب ونشرت مجلات في هذا المجال، كما عقدت ندوات ومؤتمرات حول علم الاجتماع والقضايا الاجتماعية العربية.

لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ما مدى إسهام علم الاجتماع الغربي المستورد في تقدم وتنمية الأمة العربية والإسلامية؟ وهل علم الاجتماع الغربي شرط أساسي لتقدم بلداننا ؟

أعطي القوس باريها، وأنقل للقراء الجواب عن هذين السؤالين من نص مداخلة علمية للدكتور سعد الدين إبراهيم؛ أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأمريكية بالقاهرة:

"هل يستطيع الوطن العربي أن يعيش و"يزدهر" بلا علماء الاجتماع العرب؟

وحتى لا أطيل في المقدمات فإن إجابتي الشخصية عن السؤال بكل الصدق المؤلم هي أنه نعم .
نعم يستطيع مجتمعنا أن يعيش وبتقدم بلا علماء الاجتماع العرب ، ولكي أخفف على نفسي ألم هذه الإجابة، حاولت توجيه هذا السؤال نفسه بالنسبة إلى فئات أخرى في المجتمع ، وخلصت إلى أن هناك فئات عديدة لا يستطيع المجتمع أن يعيش بدونها أهمها : الفلاحون والعمال ورجال الإدارة والجيش ، وأن هناك فئات أخرى لا يستطيع المجتمع أن يتقدم بدونها أهمها : المهندسون والأطباء والعلماء وخبراء التكنولوجيا والاقتصاد .. أما علماء الاجتماع والأنتروبولوجيا والنفس والسياسة والإعلام والآثار وفئات أخرى عديدة فيمكن للمجتمع أن يعيش ويتقدم بغيرهم .
وبشكل آخر لو وضعنا السؤال : ماذا يحدث للوطن العربي إذا اختفى كل علماء الاجتماع فجأة ؟ والإجابة هي : لا شيء سيحدث للمجتمع سلباً أو إيجاباً ، وينطبق ذلك على فئات مهنية أخرى كما ينطبق على مجتمعات أخرى عديدة .
وبالمقابل هناك مجتمعات تقدمت في العصر الحديث دون أن يوجد فيها فئة مهنية تسمى علماء الاجتماع؛ مثل اليابان إلى ثلاثينيات هذا القرن ، والصين إلى عقود متأخرة من هذا القرن .
كذلك ليس هناك ما يثبت قطعياً أن بريطانيا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة ما كان لها أن تتقدم خلال القرنين الأخيرين، لولا وجود علماء الاجتماع فيها .
وما أريد أن أخلص إليه هو أن علماء الاجتماع كفئة مهنية متخصصة ليست ضرورية في المجتمع الحديث، وبالطبع لم تكن ضرورية في المجتمع التقليدي. ولكن ظهورها في الأكثر تقدما كان مصاحبا لرغبة وليس لضرورة، أن تفهم هذه المجتمعات نفسها في مرحلة التغير أو التحول السريع الذي أحدثته الثورات السياسية والاجتماعية والصناعية....

ولا بد من أن أسارع إلى القول بأن "الفهم" الذي يقدمه علم الاجتماع للذات المجتمعية ليس هو الفهم الوحيد. فمنذ بداية الحياة في جماعات منظمة، كانت هناك دائما "أفهام" يقدمها بعض أفراد المجتمع، سواء أكانت أسطورية أو خرافية أو ميتافيزيقية أو دينية أو فلسفية. كما أنه في المجتمع الحديث ليس علم الاجتماع هو الوحيد الذي يحتكر تقديم "فهم" للذات المجتمعية. فهناك علوم وأنساق معرفية أخرى تنافسه في تقديم "أفهامها"؛ كما أن هناك دائما فئات مهنية وأفرادا كثيرين يجتهدون في تقديم مثل هذه الأفهام"[1]

 

لا شك أن كلام د. سعد الدين إبراهيم يتضمن رأيا سديدا وموقفا صائبا في الموضوع، وهو موقف لا يرضي، بطبيعة الحال، السوسيولوجيين العرب المعاصرين الذين يعتبرون علم الاجتماع شرطا أساسيا في التقدم والانخراط في التنمية والحداثة. ولعل أشد ما أعجبني في هذا النص، قوله؛ " ليس هناك ما يثبت قطعيا أن بريطانيا ...... فيها". وقوله ؛ "إن علماء الاجتماع كهيئة مهنية متخصصة ليست ضرورية..... التقليدي".

نعم، ذلك أن التقدم الاجتماعي والسياسي والعلمي والتكنولوجي الذي أحرزت عليه هذه الدول، مرده إلى عوامل ثقافية واقتصادية وعلمية... متداخلة ومتضافرة، تراكمت عبر عقود بل قرون. وكان للحكام ورجال السياسة والاقتصاد والعلماء والفلاسفة، الإسهام الأكبر في صياغة ذلك التقدم. أما علماء الاجتماع فإن إسهاماتهم لا ترقى إلى مستوى المشاركة في صنع القرار والتغيير الفعلي، كما هو الشأن بالنسبة لرجال السياسة والاقتصاد.

وأحسن مثال يستشهد به الآن في هذا المضمار، مثال دولتي ماليزيا وتركيا، حيث أن هاتين الدولتين استطاعتا أن تحققا نموا اقتصاديا وتقدما صناعيا وتكنولوجيا دو وجود أوجست كونت ماليزي، أو دوركايم تركي، أو دو الاعتماد على مدرسة اجتماعية غربية معينة.

وفي هذا الصدد تقول د. وسيلة خزار: " ماذا حققت الماركسية بانحيازها إلى الطبقة البروليتارية ودعوتها إلى إقامة المجتمع الشيوعي؟ هل تحققت العدالة الاجتماعية التي نادى بها ماركس؟ هل انعدم التفاوت الطبقي الذي كان ينشده؟ هل سقطت الدولة كما تنبأ؟

لم يتحقق كل هذا، ما يؤكد أن عالم الاجتماع لا يملك أن يضع اقتراحاته وحلوله للمشكلات الاجتماعية موضع التطبيق العملي. ولهذا نؤكد من جديد أن أبحاثه السوسيولوجية هي مسؤوليته القصوى، ويبقى للتغيير والإصلاح قنواته ورجاله.

مسؤوليتنا كعلماء اجتماع تكمن في تعرية الواقع الاجتماعي بحيث يصبح مكشوفا أمام الجميع. ولرجال السياسة والأحزاب والنقابات المهنية والجمعيات الثقافية والدينية أن يؤدوا دورهم في العلاج والإصلاح والتغيير، بما يحقق أهداف وطموحات الجماهير التي تمثلها"[2]

وهذا هو عين الصواب، إذ لطالما اجتهد السوسيولوجيون العرب في "تعرية وكشف الواقع الاجتماعي العربي"، والتنبيه على مواطن الفساد، ومكامن الداء مع تقديم العلاج والحلول، ومع ذلك لم يلتفت أصحاب السلطة والقوة، وصناع القرار إلى كلامهم ونداءاتهم، لأن تصورات وطموحات أولئك السوسيولوجيين كثيرا ما تتعارض مع مصالح المسؤولين وأصحاب الجاه والنفوذ. كما أن أطروحات السوسيولوجيين الحداثيين ذوي الميولات الغربية، لا تتناغم مع عقلية وثوابت الأمة العربية والإسلامية.

 

د. عبد الله الشارف؛ كلية أصول الدين تطوان المغربم شعبان 1435/ يونيو 2014.

 

 

 

[1]-  "نحو علم اجتماع عربي"؛ جماعة من المؤلفين، مركز دراسة الوحدة، سلسلة كتب المستقبل العربي(7)، بيروت 2010 ، ص 343-344.

[2]- د. وسيلة خزار؛ "الأيديولوجيا وعلم الاجتماع"، منتدى المعارف، بيروت 2013. ص 305.

إرسال تعليق

0 تعليقات