المؤسسات الاجتماعية الأوربية ودورها في تفكيك الأسر المسلمة المهاجرة





إن مما عمت به البلوى في زماننا هذا، كون العائلات المسلمة التي تعيش بين ظهراني الأوربيين، تعاني أزمات اجتماعية ونفسية لا حصر لها، كما يتهددها باستمرار خطر التفكك والانهيار. ذلك أن المؤسسات الاجتماعية التي تحتضن المهاجرين تمتلك صلاحيات قانونية وسياسية، تسمح لها بأن تتحكم في كافة المراحل الحياتية والثقافية والمادية، لتلك العائلات والأسر، بحيث تجبرها تدريجيا، على التخلي عن كثير من عاداتها وقيمها الإسلامية، وتبني العادات الغربية.

كما لا يخفى على أحد أن معظم العائلات المسلمة تعيش بفضل المساعدة الإجتماعية في هذه الدول، مما يعطي للمؤسسة الإجتماعية، حق الإشراف على هذه الأسر ومراقبتها ومراقبة الأولاد مراقبة دقيقة، وتتبع حياتهم ومراحل تنشئتهم الاجتماعية. ولكل أسرة مسؤولة من المؤسسة الإجتماعية، تتابع تفاصيل الأسرة المسلمة و تسعى لإخضاعها للقواعد والقوانين السارية في هذه الدول.ولهذا السبب، أضحت هذه الأسر المغتربة والمستهدفة، ضحية مشاكل وتوترات نفسية عميقة، غالبا ما تفضي إلى التفكك، ثم التلاشي شيئا فشيئا.
وكثيرا ما تبلغ سلطة وقوة هذه المؤسسات الإجتماعية، إلى درجة إعلانها وتقريرها بعدم صلاحية الأبوين المسلمين المهاجرين، لتربية الأبناء، الذين يؤخذون قهرا ويوزعون على عائلات أوربية، فتتغير أسماؤهم، ثم يتدرجون في تنشئة اجتماعية وعقدية أخرى.. وهكذا يتم مسلسل احتواء وتنصير كثير من أبناء المسلمين.


ومن المشاهد المألوفة والمكررة والتي تؤدي بتلك الأسر إلى ذلك المصير المشؤوم ؛ مشهد الخلاف بين المهاجر المسلم وزوجته، حيث تتدخل المؤسسة الإجتماعية لوضع حدّ لهذا الخلاف، وقد تدعّي الزوجة المسلمة أنّ زوجها ضربها أو حاول ضربها، وهو الأمر المحظور قانونيا. و يتعرض ضارب زوجته للسجن من سنتين إلى خمس سنوات. وعندها يدعي الزوج أيضا ومن باب الانتقام، أنّ الزوجة هي التي حاولت ضربه،  هنا تحكم المؤسسة الإجتماعية بأن لا الزوج ولا الزوجة يصلحان لتربية الأطفال، فتصدر قرارا بأخذ الأطفال و منحهم لأسر نصرانية.

ولقد كشف برنامج تليفزيوني سويدي، أنّ الجمعية المسيحية في السويد وفي شمال أوربا و التي تعرف بكلمة "الحياة"، والتي تعّد من أنشط الجمعيات المسيحية، يعمل العديد من أعضائها في المؤسسات الإجتماعية، ويلجؤون إلى المكر القانوني لمصادرة أطفال المسلمين وتوزيعهم على أعضاء هذه الجمعية، وتنصيرهم في وقت لاحق. و قد نجحت الدول الأوربية من خلال هذه الإستراتيجية في تفكيك آلاف الأسر المسلمة.

وبمجردّ أن تشكو المرأة المهاجرة زوجها للمؤسسة الإجتماعية تمنح بيتا على الفور، و يطلب من زوجها عدم الإتصال بها، و إلاّ كان مصيره السجن. ثمّ يلحق بها الأولاد كخطوة أولى. وبعد ذلك يتمّ تجريد الأم من أولادها خصوصا إذا أصيبت بمرض نفسي، أو لم تستطع تحمل مسؤولية الأبناء وحدها، أو لسبب آخر..


"و تعمد المؤسسات الإجتماعية إلى العمل ضدّ العرف الذي كانت تلتزم به هذه الأسرة المسلمة في بلادها؛ حيث القوامة للرجل. فالمؤسسة الإجتماعية تبعث راتب الإعانة الإجتماعية باسم المرأة وإلى حسابها، و هي التي تعطي جزءا من هذه الإعانة لزوجها الذي لا يتحمّل هذا الموقف، ويدخل في خصام دائم مع زوجته.ولقد اعترف أب مسلم فقد أولاده بهذه الطريقة، قائلا: لقد وضعت عشرة آلاف دولار حتى أصل إلى الجنة المزعومة، وبدلا من أن أحصل على الرفاهية، فقد أضعت أسرتي و أولادي، فماذا سأقول للمولى - عز وجل - يوم يسألني عنهم وقد أصبحوا نصارى وبامتياز.. ؟! "


ويبدو أن سياسات الإدماج التي تنتهجها الحكومات الأوربية إزاء أفراد الجاليات المسلمة، ليست قائمة على أسس إنسانية وحضارية، كما أنها لا تحترم الخصوصيات الثقافية والعقدية لهؤلاء المغتربين. وإنما تسعى بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، لإدماجهم في النسيج الاجتماعي والثقافي الغربي، إدماجا قسريا لا رحمة فيه. ومن هنا فإن إطلاق العنان للمؤسسات الإجتماعية حتى تنهج هذا النهج التفكيكي والتنصيري المدمر، مع الأسر المسلمة، قد جاء نتيجة إخفاق سياسة إدماج المسلمين في المجتمعات الغربية.



د. عبد الله الشارف، كلية أصول الدين/جامعة القرويين، تطوان المغرب. ربيع الثاني 1434/مارس 2013.




إرسال تعليق

0 تعليقات