حب الله


في هذا الموطن سالت أقلام المحبين بمداد الصفاء، وسطرت أشعارا وآثارا آية في الجمال والشوق والبهاء، حيث فاضت عاطفة الحب عندهم، فتجسدت في كلمات رقيقة طافحة بالسمو الروحي. ولا ريب أن محبة المؤمنين لربهم أعظم المحبات، وأعظم منها محبة الله لهم، كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "يقول الله تعالى : من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبى يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشى، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت، وأكره مساءته، ولا بد له منه".


قال الفقيه العلامة محمد بن قيم الجوزية:


"والمحبة هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى علمها شمر السابقون، وعليها تفاني المحبون، وبروح نسيمها تروح العابدون، فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون، وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام...




فحيهلا، إن كنت ذا همة فقد ** حدا بك حادي الشوق فاطو المراحلا


وقل لمنادي حبهم ورضاهم ** إذا   ما  دعا   لبيك  ألفا   كواملا


و لا تنظر الأطلال من دونهم فإن ** نظرت إلى الأطلال عدن حوائلا


ولا تنتظر بالسير رفقة قاعد ** ودعه فإن الشوق يكفيك حاملا


وحي على جنات عدن بقربهم ** منازلك الأولى بها كنت نازلا 




وفي حديث آخر: "إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال : إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول : إن الله تعالى يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول : إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض"[2].


ومن أعظم الآيات المعبرة عن المحبة المتبادلة بين العبد وربه، قوله تعالى: "فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه" سورة المائدة، الآية 54.


 فهؤلاء هم الذين أحبوه لما هو عليه من جلالة القدر وعظيم الرفعة،  وهم على درجات، فمنهم : المحبون المشتاقون، حالهم القلق والحزن والحنين، ولزوم الباب، والتأوه والأنين، كما قيل : رب نظرة أورثت حزنا طويلا يحزنهم الستر لأنه فراق، ويقلقهم التجلي بحرقة الاشتياق، فعذابهم عذاب ليس كالعذاب، لأنهم مغرمون بجمال سيد الأحباب، فأناخوا بباب الحبيب، وتملقوا بمناجاة القريب المجيب.




[1] مدارج السالكين، المجلد 3، ص : 9-10.





[2] حديث صحيح رواه مسلم.




د. عبد الله الشارف، كلية أصول الدين/جامعة القرويين. تطوان المغرب. ربيع الأول 1434/يناير 2013.


 


 






إرسال تعليق

1 تعليقات