الشيخ الطرقي والمريد: عقد باطل وفاسد عقلا ونقلا


قال العلامة أحمد بن تيمية رحمه الله :


" وخير الشيوخ الصالحين، وأولياء الله المتقين: أتبعهم له وأقربهم وأعرفهم بدينه وأطوعهم لأمره: كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي. وسائر التابعين بإحسان، وأما الحسب فلله وحده ولهذا قالوا (حسبنا الله ونعم الوكيل) ولم يقولوا ورسوله... فليس لأحد أن يدعو شيخا ميتا أو غائبا: لا من الأنبياء ولا غيرهم، فلا يقول لأحدهم: ياسيدي فلان أنا في حسبك أو في جوارك، ولا يقول بك أستغيث وبك أستجير[1].


 إن أسلوب التلقي الذي ينتهجه المريد مع شيخه الطرقي، لا يخلو من عيوب معرفية وتربوية وأخطاء تعبدية وشرعية، ذلك أن هذه العلاقة تجعل المريد محصورا في دائرة مغلقة بحيث يكون الشيخ بمثابة النواة المركزية، والمريدون عبارة عن إلكترونات تحوم حولها، ومن ثم فإن المعارف والأفكار التي يكتسبها المريد، يستمدها من روح شيخه وشخصيته؛ إما يقظة وإما مناما، فيتشكل عنده نمط فكري واحد ينتظم من خلاله وبواسطته تصوره الوجودي والكوني، وكذا حياته الاجتماعية والدينية. وهكذا تغدو عين الشيخ المصدر الوحيد للإلهامات والإشراقات المعرفية، وبما أن المريد ينظر إلى شيخه الطرقي بعين الرضا والمحبة والتقديس، فإن عقله عاجز عن إدراك ما يمكن أن يصدرعنه من أخطاء وهفوات، وكيف يصدر ذلك عن الشيخ الكامل والقطب الرباني صاحب الأحوال والمقامات ؟!!. فالدين هو ما يفهمه شيخه، والعبادة هي التي يمارسها ويدعو إليها.


ومما له علاقة بأسلوب التلقي المشار إليه ما يتلقاه المريد عن شيخه من الأوراد، التي بواسطتها يتقوى قلبه، وتصبو نفسه نحو الترقي في الأحوال والمقامات، بيد أن هذا الترقي كثيرا ما يؤدي بصاحبه إلى الوقوع في الجذب أوالفناء، مما قد يدفع به إلى العزلة التامة عن المجتمع، وهذا ما لا يحصل للمسلم الذي يذكر الله كما أمر، وكما بين نبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه، في سنته المطهرة. قال الفقيه أحمد بن تيمية: "وكذلك العباد: إذا تعبدوا بما شرع الله من الأقوال والأعمال ظاهرا وباطنا، وذاقوا طعم الكلم الطيب والعمل الصالح الذي بعث الله به رسوله، لوجدوا في ذلك من الأحوال الزكية والمقامات العلية والنتائج العظيمة، ما يغنيهم عما قد حدث من نوعه كالتغبير ونحوه من السماعات المبتدعة الصارفة عن سماع القرآن، وأنواع من الأذكار والأوراد لفقها بعض الناس."[2]


وقال الإمام الأصولي أبو إسحاق الشاطبي:


" إن اتباع الهوى طريق إلى المذموم، وإن جاء في ضمن المحمود؛ لأنه إذا تبين أنه مضاد بوضعه لوضع الشريعة، فحيثما زاحم مقتضاها في العمل كان مخوفا. أما أولا فإنه سبب تعطيل الأوامر وارتكاب النواهي، لأنه مضاد لها. وأما ثانيا فإنه إذا اتبع واعتيد ربما أحدث للنفس ضراوة وأنسا به، حيى يسري معها في أعمالها، ولا سيما وهو مخلوق معها ملصق بها في الأمشاج. فقد يكون مسبوقا بالامتثال الشرعي فيصير سابقا له، وإذا صار سابقا له صار العمل الامتثالي تبعا له وفي حكمه، فبسرعة ما يصير صاحبه إلى المخالفة، ودليل التجربة حاكم هنا.


وأما ثالثا، فإن العامل بمقتضى الامتثال من نتائج عمله الالتذاذ بما هو فيه، والنعيم بما يجتنيه من ثمرات الفهوم، وانفتاح مغاليق العلوم. وربما أكرم ببعض الكرامات، أو وُضِع له القبول في الأرض فانحاش الناس إليه، وحلقوا عليه، وانتفعوا به، وأموه لأغراضهم المتعلقة بدنياهم وأخراهم..[3]."


لاحظ معي أيها القارئ اللبيب كيف نبه المحقق الأصولي أبو إسحاق على هذه المسألة الدقيقة، وبين فيها أن اتباع الهوى يجر المسلم إلى المذموم وإن جاء في ضمن المحمود. فالشيخ الطرقي الذي وضع أورادا وصيغا للذكر على طريقة غير طريقة الشرع الحكيم، وعلى منهج لا عهد لأصحابه والتابعين به، يكون قد ابتدع في أمر تعبدي وقفي لا مجال فيه للاجتهاد أو إبداء الرأي، وإن بدا له أن هذه الأوراد والأذكار تدور في فلك ما هو محمود ومحبب إلى الله سبحانه. وهذا باب من الأبواب التي سلكها كثير من السالكين والعباد فزلت فيها أقدامهم.




1-أحمد بن تيمية؛ "فتاوى ابن تيمية"، ج 11، ص 498-499، د. ت، د. ط. .





[2]2-أحمد بن تيمية؛ "اقتضاء الصراط المستقيم"، ص 282، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرباط، 1419





[3]3- أبو إسحاق الشاطبي؛ "الموافقات في أصول الشريعة"، المجلد 1، الجزء 2، ص 133-134، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت. .




د.  أبو عبد الرحمن عبد الله الشارف، كلية أصول الدين، تطوان المغرب، صفر الخير 1434/ يناير 2013.










 



إرسال تعليق

3 تعليقات

  1. It's a joy to find soomene who can think like that

    ردحذف
  2. I recokn you are quite dead on with that.

    ردحذف
  3. I like what you guys are up also. Such intelligent work and reporting! Keep up the excellent works guys I’ve incorporated you guys to my blogroll. I think it’ll improve the value of my website . “The part can never be well unless the whole is well.” by Saul Bellow.

    ردحذف