كثيرا ما ينتاب المسلم، أثناء سفره من مدينة إلى أخرى، أو من بلد إلى آخر، شعور بأنه مسافر إلى الله، لا سيما إذا كان متصلا بالله من خلال ذكره، أو التفكر في مخلوقاته، أو استحضار مشاهد الوعد والوعيد. ثم إن البعد، بسبب السفر، عن الأهل والأولاد وكل ما يتعلق بالحياة الاجتماعية، من اشغال والتزامات وعادات وتقاليد ورموز... كل ذلك يجعل روح المسلم المسافر الذاكر، تتحرر من تلك القيود، وتحلق بكل سعادة وشوق في اتجاه الموطن الأصلي، قال الشاعر:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبدا لأول منزل
في صبيحة يوم الأربعاء 5 صفر الخير 1434/ موافق 19 دجنبر 2012، ركبت سيارتي قاصدا مدينة فاس، للمشاركة والعمل في لجنة اختيار الأساتذة المرشحين لمنصب عميد كلية أصول الدين بتطوان.
وكم يحلو لي أن أسافر وحدي لما أجد في وحدة السفر من متعة نفسية عظيمة. ولم أمل في سفري هذا، من الاستماع إلى القرآن الكريم بترتيل القارئ سعد الغامدي. ولقد غمرني، وأنا منجذب إلى كلام الله على لسان القارئ العذب، شعور لذيذ بالسفر إلى الله، ورغبة عارمة في لقائه... ؛ إلهي، اشتقت إلى لقائك، وحيرني حنين الرجوع إليك، فاجعل سفري إليك سفر نوح في الجارية، ولجوئي إليك لجوء الفتية إلى الكهف، واجعل لي عندك زلفى وحسن مآب.
وقتئد حصل عندي اليقين أنني فعلا مسافر إلى الله، وأن سفري إلى مدينة فاس جزء من سفري إليه، أو مرحلة من مراحل السفر الوحيد. فهمست إلى نفسي: لماذا لا أشعر بأثر السفر إلى الله عندما أكون مقيما في بلدتي بين أهلي وعشيرتي؟ فكان الجواب: إن الروح، أثناء الإقامة بين الأهل، غالبا ما تكون مقيدة بقيود مادية واجتماعية، وأخرى نفسية شهوانية، فأنى لها أن تتمتع بمتعة السفر إلى الله؟
ولقد عبر النبي صلى الله عليه وسلم، عن الشعور بالسفر إلى الله، تعبيرا عميقا عندما قال: "مالي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها" (حديث صحيح). كما قال في دعاء له: "أسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك"
ومما لا ريب فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان دائم الشوق إلى لقاء الله، وكذلك من اقتدى به واهتدى بهديه ناله نصيبه من الشوق ذاته. وما ظفر المحبون بنعيم المحبة ولذة الشوق إلى الله إلا بدوام ذكره، والذكر هو العبادة التي يتزود منها السائر إلى الله سبحانه. ومثله كمثل الزاد للمسافر تماما، فإذا نقص زاده وقل طعامه قد يتعرض للهلاك. فالذكر هو مكان التزود للسير في الطريق، وهو المنزلة التي يتردد عليها باستمرار أهل الإيمان والجهاد والتقوى، ومن أكرمه الله سبحانه بدوام بذكره، فقد أكرمه بفتح الباب إليه والسماح له بالقرب منه.
د. عبد الله الشارف، الرباط؛ صفر الخير 1434/ دجنبر 2012.
2 تعليقات
اللهم ارزقنا سفرا دائما إليك يا رب العالمين , و أدم لأستاذنا لذة السفر إلى الله
ردحذفGenerally I don’t go through article on blogs, however I must say that this write-up really forced me to try to do so! Your producing taste has been amazed me. Thanks, quite good article.
ردحذف