مفهوم الاستشراق





يذهب عدد من الدارسين في ميدان الاستشراق، إلى أن كلمة "استشراق" ومشتقاتها مولدة، استعملها المحدثون من ترجمة كلمة ORIENTALISM الإنجليزية. ويرجع ظهور الاستشراق في المعجم الإنجليزي إلى سنة 1799، ثم بعد ذلك صادقت الأكاديمية اللغوية في فرنسا على تداول هذه الكلمة واستعمالها في اللغة الفرنسية.


والاستشراق علم غربي موضوعه الشرق الواسع، أقضاه ووسطه وأدناه. والمستشرق هو الذي يهتم بدراسة لغات الإنسان الشرقي وآدابه وحضارته وأديانه. غير أن الأذهان في العالم الإسلامي تنصرف غالبا، إلى المعنى الخاص لمفهوم الاستشراق والذي يعني الدراسات الغربية المتعلقة بالشرق الإسلامي.


" ويعرف م.أ جويدي علم الاستشراق وصاحبه قائلا : " والوسيلة لدرس كيفية النفوذ المتبادل بين الشرق والغرب إنما هو "علم الاستشراق"، بل نستطيع أن نقول إن غرض هذا العلم الأساسي ليس مقصورا على مجرد درس اللغات أو اللهجات أو تقلبات تاريخ بعض الشعوب كلا، بل من الممكن أيضا أن نقول إنه بناء على الارتباط المتين بين التمدن الغربي والتمدن الشرقي، ليس علم الشرق إلا بابا من أبواب تاريخ الروح الإنساني...وليس صاحب علم الشرق الجدير بهذا اللقب بالذي يقتصر على معرفة بعض اللغات المجهولة، أو يستطيع أن يصف عادات بعض الشعوب، بل إنما من جمع بين الانقطاع إلى درس بعض أنحاء الشرق، وبين الوقوف على القوى الروحية الأدبية الكبيرة التي أثرت على تكوين الثقافة الإنسانية."[1].


وجدير بالذكر أن مفهوم الاستشراق تطور تبعا لتطور العلاقة بين الشرق والغرب، حيث بدأ هذا المفهوم يكتسي طابعا سياسيا شيئا فشيئا، بقدر ما تقهقرت الدولة الإسلامية. فما أن أصبحت الدولة العثمانية يطلق عليها "الرجل المريض"، حتى كانت الصورة السياسية قد تمكنت من حقيقة الاستشراق، وحلت المؤسسات الاستشراقية التي تشرف عليها الدولة الإمبريالية محل الاستشراق الفردي. ومع أن هذا الأخير لم تكن أحكامه وفرضياته تخلو من أهواء ونزعات ذاتية، فإنه لم يكن يخضع لعملية التسييس التي فرضها منطق الاستعمار الإمبريالي. وسيسجل النصف الأول من القرن التاسع عشر دخول البحث الاستشراقي تحت هذه الهيمنة الإمبريالية. ومازال الاسشتراق يعاني إلى الآن وطأة سياسية، وتسخر أبحاثه في أغراض تخدم مصالح الإنسان الغربي المتغطرس. ولعل إدوارد سعيد الذي عمل أستاذا للأدب المقارن في جامعة بوسطن بأمريكا، من بين أحسن النقاد الذين اشتغلوا بدراسة ونقد العمل الاستشراقي، والذين أكدوا على العلاقة الوطيدة والحميمة بين الاستشراق والسياسة، يقول هذا الكاتب : " ...وباختصار فإن الاستشراق يمثل أسلوبا غربيا في السيطرة، كما يعني "إعادة تشكيل" الشرق والهيمنة عليه. إن مفهوم الخطاب كما هو محدد عند مشيل فوكو في كتابيه "أركيولوجية المعرفة" و "راقب وعاقب"، هذا المفهوم قد أفادني في تمييز ووصف الاستشراق"[2].


ويقول أيضا في الكتاب نفسه: " الاستشراق هو علم الشرق الذي يضع أمور الشرق وأشياءه وفي قسم أو محكمة أو سجن أو كراسة، بهدف تحليلها أو دراستها، أو تقيميها أو مراقبتها وسياستها "[3].


ويضيف قائلا : " إن الاستشراق في نهاية المطاف رؤية سياسية لحقيقة الشرق، وبنيته تكرس الاختلاف والتباين بين الغرب والشرق، وتجعل من الغربي الإنسان القوي، لأن ثقافته هي الأقوى ولأنه يستطيع أن يلج ويكتشف سر الشرق ولغزه، ثم يمنحه الصورة المناسبة والحقيقة "[4].


من ناحية أخرى فإن الشرق الذي يمثل موضوع الاستشراق، لا يمثل الصورة الحقيقية للشرق، وإنما يترجم ما هو عالق بذهن المستشرق حول موضوع الشرق. إن هذا المستشرق رهين الثقافة التي ترعرع فيها ونهل من معينها، وخاضع لتأثيرات المواقف الدينية والسياسية الغربية إزاء الشرق وحضارته، وبالتالي فليس في مقدروه أن يتناول موضوعاته دون أن يستسلم لقوة القوالب والحدود الفكرية المفروضة عليه مسبقا. وفي هذا الصدد يرى إدوارد سعيد أن الاستشراق  لا يقوم على دراسة الشرق ووصفه، وإنما يقوم على استنطاقه. ومن ثم فإن المستشرق لا يهمه الشرق، إلا بقدر ما يوحي هذا الشرق من أفكار تتناسب مع ما يتصوره المستشرق عنه.









[1] - د. أحمد سيمالوفتش "فلسفة الاستشراق وأشرها في الأدب العربي المعاصر " دار المعارف مصر 1980 ص 24.






[2] - Eduard said "L'orient créé par l'occident " Ed seuil France 1980 p. 15.



[3] - نفسه، ص 56.


د. عبد الله الشارف؛ جامعة القرويين، كلية أصول الدين/تطوان المغرب. محرم 1434/دجنبر 2012.


 


 





[4] - نفسه، ص 59.




إرسال تعليق

0 تعليقات