جوستاف لوبون والحضارة الإسلامية




يعتبر جوستاف لوبون (1841-1921) من المستشرقين القلائل الذين تحلوا بقسط وافر من الإنصاف والموضوعية العلمية، أثناء دراستهم للحضارة الإسلامية وتراثها الفذ الرائع. ولقد أشاد بهذه الحضارة وأثنى على علمائها وعباقرتها، كما مدح الإسلام ونبيه صلوات الله وسلامه عليه، وأشار إلى التسامح والرفق الذي مارسه المسلمون الفاتحون بشعوب البلدان التي فتحوها، مما دفعهم إلى الدخول في الإسلام أفواجا أفواجا. وإليك أخي القارئ الفطن بعض النصوص المقتبسة من كتاب "حضارة العرب" الذي ألفه هذا المستشرق الفرنسي المنصف:


"وقد أثبت التاريخ أن الأديان لا تفرض بالقوة، فلما قهر النصارى عرب الأندلس، فضل هؤلاء الطرد والقتل عن آخرهم على ترك الإسلام. ولم ينتشر القرآن بالسيف إذن، بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخرا كالترك والمغول"[1]


"وكلما أمعنا في دراسة حضارة العرب والمسلمين وكتبهم العلمية واختراعاتهم وفنونهم ظهرت لنا حقائق جديدة وآفاق واسعة، ولسرعان ما رأيتَهم أصحاب الفضل في معرفة القرون الوسطى لعلوم الأقدمين، وإن جامعات الغرب لم تعرف لها مدة خمسة قرون موردًا علميًّا سوى مؤلفاتهم، وإنهم هم الذين مدَّنُوا أوربا مادة وعقلاً وأخلاقًا، وإن التاريخ لم يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه في وقت قصير، وأنه لم يَفُقْهم قوم في الابتداع الفني"[2].


"ولم يقتصر فضل العرب والمسلمين في ميدان الحضارة على أنفسهم؛ فقد كان لهم الأثر البالغ في الشرق والغرب، فهُما مدينان لهم في تمدُّنِهم، وإن هذا التأثير خاص بهم وحدهم؛ فهم الذين هذّبوا بتأثيرهم الخُلُقي البرابرة، وفتحوا لأوربا ما كانت تجهله من عالَم المعارف العلمية والأدبية والفلسفية، فكانوا مُمدِّنين لنا وأئمة لنا ستة قرون، فقد ظلت ترجمات كتب العرب ولا سيِّما الكتب العلمية، مصدرًا وحيدًا للتدريس في جامعات أوربا خمسة أو ستة قرون، فعَلى العالم أن يعترف للعرب والمسلمين بجميل صنعهم في إنقاذ تلك الكنوز الثمينة"3].


"ولا يمكن إدراك أهمية شأن العرب إلا بتصور حال أوربا حينما أدخلوا الحضارة إليها، إذا رجعنا إلى القرن التاسع والقرن العاشر من الميلاد، حين كانت الحضارة الإسلامية في إسبانيا ساطعة جدًّا، رأينا أن مراكز الثقافة في الغرب كانت أبراجًا يسكنها سنيورات متوحشون يفخرون بأنهم لا يقرِؤجوستاف لوون، وأن أكثر رجال النصرانية معرفة كانوا من الرهبان المساكين الجاهلين الذين يقضون أوقاتهم في أديارهم ليكشطوا كتب الأقدمين النفيسة بخشوع"[4.


"إن الأمم التي فاقت العرب تمدنا قليلة للغاية، وإننا لا نذكر أمة كالعرب ،حققت من المبتكرات العظيمة في وقت قصير مثل ما حققوا، و إن العرب أقاموا دينا من أقوى الأديان التي سادت العالم،أقاموا دينا لا يزال تأثيره أشد حيوية مما لأي دين آخر،و إنهم انشأوا، من الناحية السياسية، دولة من أعظم الدول التي عرفها التاريخ،و إنهم مدنوا أوربة ثقافة و أخلاقا، فالعروق التي سمت سمو العرب و هبطت هبوطهم نادرة و لم يظهر،كالعرب،عرق يصلح أن يكون مثالا بارزا لتأثير العوامل التي تهيمن على قيام الدول و عظمتها و انحطاطها " 5.









1-جوستاف لوبون: "حضارة العرب " ترجمة عادل زعيتر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2000، ص 127.


2- جوستاف لوبون: حضارة العرب، تعريب عادل زعيتر، ص26.


3- المصدر السابق.


4-جوستاف لوبون: حضارة العرب، تعريب عادل زعيتر، ص566.


5- جوستاف لوبون   "         "      ص618.


د. عبد الله الشارف، كلية أصول الدين/ تطوان المغرب/ محرم 1434/نوفمبر2012.


 






إرسال تعليق

0 تعليقات