زيغريد هونكة والحضارة العربية الإسلامية


إن المطلع على تاريخ  الاستشراق لا يخالجه شك في أن نشأة هذا العلم كانت مرتبطة بأهداف سياسية ودينية واضحة ودقيقة. ذلك أن أرباب الكنيسة وأصحاب السلطة من الأوربيين، عملوا على تأسيس هذا العلم وتشجيع حركة الاستشراق بهدف السيطرة  السياسية على العالم الإسلامي، بعد الاطلاع على ثقافته وحضارته، كما كانو ا يتوخون من خلال هذا المشروع العلمي السياسي، تشويه حقيقة الدين الإسلامي، وتقديمه للمسيحيين في صورة قبيحة ومنفرة، كي يحولوا بينهم وبين الدخول في الإسلام. ومع ذلك فإن التاريخ يحدثنا عن صفحات مشرقة، عبر فيها بعض المستشرقين عن إعجابهم الكبير بعظمة الحضارة الإسلامية.


تقول المستشرقة زيغريد هونكه في كتابها القيم : (شمس الله تسطع على الغرب) : "إن هذه القفزة السريعة المدهشة في سلم الحضارة التي قفزها أبناء الصحراء ، والتي بدأت من اللا شيء لهي جديرة بالاعتبار في تاريخ الفكر الإنساني… وإن انتصاراتهم العلمية المتلاحقة التي جعلت منهم سادة للشعوب المتحضرة لفريدة من نوعها ، لدرجة تجعلها أعظم من أن تُقارَن بغيرها ، وتدعونا أن نقف متأملين  كيف حدث هذا ؟! وكيف أمكن لشعب لم يمثل من قبل دورا حضاريا أو سياسيا يذكر، أن يقف مع الإغريق في فترة وجيزة على قدم المساواة؟.


 إنَّ ما حققه العرب لم تستطع أن تحققه شعوب كثيرة أخرى كانت تمتلك من مقومات الحضارة ما قد كان يؤهلها لهذا ، بيزنطية وريثة الحضارتين الشرقية والإغريقية بقيت على جهالتها مع أنها بلغتها اليونانية كانت أقرب للناس إلى الحضارة الإغريقية والسوريون هم تلامذة الإغريق كان لهم من الحضارة قبل الإسلام حظ وفير ولقد غفلوا عن طريق الترجمة كثيراً من أعمال الإغريق إلى لغتهم ولكنهم أيضاً كبيزنطة  فشلوا في أن يجعلوا مما اقتبسوه من الإغريق بذرة  الحضارة تذدهر كما فعل العرب فيها بعد ، ولم تكن فارس التي اكتسبت من حضارات الصين والهند والإغريق بأسعد حظاً من بيزنطيه أو سوريا وبرغم تحسن الحالة الاقتصادية في تلك البلاد ورعاية الدولة للعلوم والعلماء فإنه لم يسمح لحضارة تلك البلاد أن تصبح حضارة مبتكرة مؤثرة إلا في جو عقلي آخر وفي ثنايا حضارة ثانية أنجع هي الحضارة العربية" 1


وتقول أيضا: «ان العرب  طوروا بتجاربهم وابحاثهم العلمية وما اخذوه من مادة خام عن الاغريق وشكلوه تشكيلا جديدا. فهم في الواقع الذين ابتدعوا طريقة البحث العلمي الحق القائم على التجربة...فعندهم فقط بدأ البحث الدائب الذي يمكن الاعتماد عليه يتدرج من الجزئيات الى الكليات...وعلى هذا الاساس ساروا في العلوم الطبيعية شوطا كبيرا، أثر فيما بعد بطريق غير مباشر، على مفكري الغرب وعلمائه؛ أمثال روجر باكون وماكنوس وقيتليو ودافنشي.ان العرب [ المسلمين ] هم مؤسسو الطرق التجريبية في الكيمياء والطبيعة والحساب والجبر والمثلثات وعلم الاجتماع، وبالاضافة الى عدد لا يحصى من الاكتشافات والاختراعات في مختلف فروع العلوم، والتي سرق اكثرها ونسب لآخرين.لقد قدم العرب [ المسلمون ] أثمن هدية، وهي طريقة البحث العلمي الصحيح، التي مهدت امام الغرب طريقة لمعرفة اسرار الطبيعة ‏».2


1-    زيغريد هونكة: "شمس الله تسطع على الغرب"، ترجمة فاروق بيضون، كما دسوقي، دار صادر ، ط  10، بيروت 2002، ص 354.


2-    المرجع نفسه، ص 401-402.


د. عبد الله الشارف، كلية أصول الدين/ تطوان المغرب. رمضان 1433- غشت 2012.

إرسال تعليق

0 تعليقات