كما انخدع بعض المثقفين في المشرق الإسلامي بنظريات وآراء المستشرقين في كتابهم وأطروحاتهم، انخدع بذلك أيضا بعض نظرائهم في المغرب، إما لجهلهم بحقائق التراث الإسلامي وعدم إطلاعهم على ينابيعه الصافية، وإما لوقوعهم تحت تأثير أهواء وانحرافات فكرية لم يجدوا مجالا لترويجها إلا بالتستر وراء أساتذتـهم المستشرقين.
يقول د. عبد الله العروي: " إن الاتجاه السني هو الذي تغلب منذ قرون على كل الاتجاهات الأخرى لأسباب معينة لا يكفي في توضيحها أن نقول إنها رجعية وإنها نتجت عن تحول طرق التجارة...الخ، هذه عموميات لا توضح شيئا، ولن تحررنا أبدا من سلطة الفكر الذاتي. علاقتنا الحقيقية ليست مع الفلاسفة المسلمين أو المعتزلة أو دعاة الباطنية، لأن هؤلاء كلهم أصبحوا تقريبا أجانب في ثقافتنا. علاقتنا مع كلام السنوسي وفقه الخليل ونحو ابن مالك. ويجب أن ننطلق ذهنيا ونقديا من هذا المنطق، لنحلل أسباب تغلغله واستمراره في الفكر العربي، ونكشف عن إمكانية تجاوزه" .!! 1
ويقول مالك بن نبي متحدثا عن " التلميذ المراكشي" أي عبد الله العروي: " إن بعض هؤلاء المشارقة المتتلمذين للمستشرقين يخفون عملهم التخريبي ضد الإسلام، بإيعاز واضح من أوساط استعمارية تحت رداء تقدمية جوفاء، تحاول سلب الإسلام من كل قيمة حضارية، بل تنسب له حالة التخلف الراهنة في العالم الإسلامي. ولا شك أن كتاب " الإيديولوجيات العربية في محضر الغرب"، الذي ظهر منذ بضعة أشهر بتقديم من مكسيم رودنسون، لاشك أن هذا الكتاب المبني على منطق سفسطائي، ذو صلة متينة بهذا التيار." 2
ولعل موضوع اللغة العربية يكون من أهم المواضيع التي تناولها د.عبد العروي بروح استشراقية. يقول في كتابه "ثقافتنا في ضوء التاريخ":
"لو تصورنا لسانا دون إعراب تام، ولا علامة تأنيث ولا مثنى ولا جمع تكسير، وهو تطور عادي في تاريخ الألسن، لو درس في المعاهد التربوية، وكتبت به آداب رفيعة، وحررت به مقالات علمية، وتفاهمت هل يمكن أن نقول إنه ليس لسانا، وليس عربيا؟
ليست النظرة السكونية إلى اللسان سوى انعكاس للفلسفة الماورائية، تظهر لنا بديهية ما بقينا متعلقين بالماورائيات. وبمجرد ما نعتنق نظرية حركية تطورية ندرك في الحين أنه من الشطط ربط منطق ثقافة بكاملها بشكل لغوي عارض. أكدنا مرارا أن مسايرة اللسان للتطورات الاجتماعية والتحولات التاريخية واقع قائم بالنسبة لكل مجموعة بشرية ولكل فترة من فترات حياتها. من غير المعقول أن نتصور أن المجموعة العربية وحدها غير خاضعة لهذا القانون العام" . 3
لا يستغرب المرء من موقف إزاء اللغة العربية كهذا الموقف، ما دام صاحبه من التلاميذ المخلصين للفكر الاستشراقي ومؤسسيه.
هيهات هيهات يا د كتور، أتظن أن معولك المستعار يستطيع النيل من جبل اللغة العربية الشامخ ؟ كلا، إنها لغة محفوظة بحفظ القرآن، فقد قال الحق سبحانه وتعالى في سورة الحجر، آية 9: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون". فهناك علاقة تلازم بين حفظ القرآن وحفظ اللغة العربية، لزوم الظل للشيء.
قال د.إبراهيم السامرائي: "إن الجهود العظيمة التي قام بها علماء اللغة، بصرفها ونحوها، وما قام به علماء أصول الفقه من البحث في دلالات الألفاظ، لحراسة اللغة وحمايتها، والمحافظة على معهود العرب بالخطاب....هذه الجهود في الحقيقة، يمكن أن تعتبر ثمرة لخلود اللغة، وحفظها بحفظ الذكر المنزل من الله بها، إذ لا يمكن أن يتحقق حفظ النص الذي تعهد الله بحفظه، ويحمى من التحريف والتأويل، بدون حفظ لغته." 4
لا ريب أن هناك علاقة حميمية وروابط متينة بين اللغة العربية والقرآن. ولن تموت هذه اللغة لكونها منصهرة في القرآن ومعززة به، فعلو شأنها من علو شأنه، وقداستها من قداسته.
1 - د. عبد الله العروي "العرب والفكر التاريخي" المركز الثقافي العربي الدار البيضاء، 1983، ص:168.
2 - الاستشراق: نصوص نقدية، " إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث" لمالك بن نبي، مجلة الفكر العربي عدد 32 يونيو 1983 ص: 1363.
3 - د. عبد الله العروي "ثقافتنا في ضوء التاريخ" الدار البيضاء 1983 ص:223.
4 - د. إبراهيم السامرائي: "في شرف العربية"، كتاب الأمة، عدد 42، قطر 1994، ص20.
د. عبد الله الشارف، كلية أصول الدين، تطوان/المغرب. شوال1433-غشت 2012.
0 تعليقات