ثنائية الخوف والرجاء



 

إن موضوع الخوف والرجاء من الموضوعات الثابتة والمحورية في أدب الرقائق، فلا يخلو نثره وشعره من أوصاف وإشارات لها. كما أنهما دعامتان أساسيتان من دعائم تربية النفس وإصلاحها وتزكيتها. ولطالما اعتمد عليهما العباد والزهاد والصالحون من الفقهاء والعلماء والأدباء، وهم يسلكون سبيل التقوى وينشدون الدار الآخرة. والعلاقة بين هذا الموضوع وعنصر الوجدان لا تحتاج إلى دليل ، كما لا يحتاج النهار إليه، إذ يستحيل تصور حالة خوف أو رجاء دون حرارة وجدانية. “والوجل والخوف والخشية والرهبة ألفاظ متقاربة غير مترادفة.

قال أبو القاسم الجنيد : الخوف توقع العقوبة على مجاري الأنفاس. وقيل : الخوف اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوف. و”الخشية” أخص من الخوف. فإن الخشية للعلماء بالله، قال تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، فهي خوف مقرون بمعرفة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : “إني أتقاكم لله، وأشدكم له خشية”.

يقول الحارث المحاسبي في كتابه “الرعاية لحقوق الله”. ” باب ما ينال به خوف وعيد الله عز وجل”؛

قلت فبم ينال الخوف والرجاء ؟ قال: تعظيم المعرفة بعظيم قدر الوعد والوعيد.

قلت: فبم ينال عظيم المعرفة بعظيم قدر الوعد والوعيد؟

قال: بالتخويف لشدة العذاب والترجي لعظيم الثواب.

قلت: وبم ينال التخويف؟

قال بالذكر والفكر في العاقبة، لأن الله عز وجل قد علم أن هذا العبد إذا غيب عنه ما قد خوفه ورجاه، لن يخاف ولن يرجو إلا بالذكر والفكر، لأن الغيب لا يرى بالعين، وإنما يرى بالقلب في حقائق اليقين، فإذا احتجب العبد بالغفلة عن الآخرة… لم يخف ولم يرج إلا رجاء الإقرار وخوفه. وأما خوف ينغص عليه تعجيل لذته… إنما يجتلب بالذكر والفكر والتنبيه والتذكر لشدة غضب الله وأليم عذابه وليوم المعاد”1.

إن الحوار الذي يؤطر كلام المحاسبي يعكس لغة وجدانية وانفعالية قصوى، فكلماته تتمحور حول الوعد والوعيد والفكر، وحقائق اليقين، كما يبرز مفهوم التخويف النفسي كأسلوب نافع في جلب الخوف إلى قلب المؤمن. إننا أمام مشهد من مشاهد المعاناة النفسية، تلك المشاهد التى عادة ما يحياها أصحاب القلوب الرقيقة، سواء أفصحوا عنها وترجموها إلى كلمات وجدانية أم ظلت حبيسة بواطنهم.

وحتى لا يطغى وجدان الخوف على المسلم فيلقي به في مهاوي اليأس والقنوط، أمر الشارع باللجوء إلى الرجاء والتمسك به كي يحصل الاعتدال والإشفاق، قال تعالى: “وادعوه خوفا وطمعا” (الأعراف : 56) وقال أيضا “إن اللذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله” (البقرة : 218).

ومما يحسن الإشارة إليه، أن الإفراط في التخويف قد يأتي بنتيجة غير مرضية، ومن ثم ينبغي للمسلم أن يراعي التوازن بين حالتي الخوف والرجاء، لأن الإفراط في الخوف يؤدي إلى اليأس والقنوط، كما أن الإفراط في الرجاء يوقع في التهاون والكسل.

وكان فيما قاله أبو بكر الصديق – وهو يودع الدنيا- لعمر بن الخطاب: "ألم تر يا عمر أنها نزلت آية الرجاء مع آية الشدة، وآية الشدة مع آية الرخاء، ليكون المؤمن راغبا راهبا، لا يرغب رغبة يتمنى فيها على الله ما ليس له، ولا يرهب رهبة يلقي فيها بيديه”. و”القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر. فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحه. فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران. ومتى قطع الرأس مات الطائر. ومتى فقد أحد الجناحين فهو عرضة لكل صائد وكاسر." وأكمل الأحوال : اعتدال الرجاء والخوف، وغلبة الحب. فالمحبة هي المركب. والرجاء حاد. والخوف سائق. والله الموصل بمنه وكرمه"2.

1-الحارث المحاسبي : “الرعاية لحقوق الله”، ص 61 دار المعارف

2- بن قيم الجوزية : “مدارج السالكين”، ص : 570، ج 1، دار الجيل بيروت، د.ت.

د.عبد الله الشارف، كلية أصول الدين/ تطوان المغرب، رجب 1433/يونيو 2012

إرسال تعليق

0 تعليقات