ولدت هذه المرأة العظيمة في «نيويورك» 1934م، لأبوين يهوديين من أصل ألماني، وكان اسمها «مارجريت ماركوس»، وكان لطريقة نشأتها في تلك البيئة المتلوثة بركام الجاهلية دليل على عناية الله - تعالى -بها، فهي لم تذق الخمر في حياتها ولم تلتق بالرجال، ولم تحضر حفلات القوم، وكل هذا عجيب من مثلها، وكانت وهي في طفولتها تحضر الدروس التي تقيمها مدرسة الأحد اليهودية، وتسمع الحاخام وهو يخبرهم بأن العرب واليهود هم أولاد إبراهيم الخليل ــ عليه وعلى نبينا أفضل الصلوات وأتم التسليم ــ فصارت تتمنى أن تذهب إلى فلسطين لرؤية أولاد عمها والاجتماع بهم، ثم إنها صدمت بعد ذلك يوم أن رأت أبويها يحتفلان بقرار التقسيم سنة 1947م، ويجمعان التبرعات لإقامة الدولة المسخ، ثم يحتفلان بانتصار اليهود سنة 1367هـ/ 1948م، فصارت تناقش أبويها بقوة في إقامة دولة اليهود على أحزان العرب وآلامهم، فعجبا من كلامها.
طريق الهداية
ثم إنها أقبلت على القراءة المطوّلة والعجيبة من فتاة مثلها، فقد قادتها هذه القراءة إلى الهداية، وأبعدتها عن الغواية، وقرأت أول ما قرأت ترجمة القرآن للبريطاني المسلم «محمد بيكتهول»، فتأثرت بما قرأت.كما عثرت في مكتبة «نيويورك» العامة على كتاب «مشكاة المصابيح» مترجماً إلى الإنجليزية، وهو كتاب في الحديث النبوي الشريف، فعكفت عليه حتى فرغت منه!! ولو سألت طلاب العلم منا اليوم ومثقفينا عن هذا الكتاب فلربما جهلوا عنوانه، ناهيك عن قراءته.
ثم شرح الله صدرها في سنة (1381هـ ــ 1961م) فذهبت إلى إمام مسجد في «بروكلين» في «نيويورك» وهو «داود فيصل» وأسلمت على يديه، وسمت نفسها بـ«مريم جميلة»..
وكان الأستاذ «المودودي» قد عرض عليها مراراً أن تنتقل إلى باكستان لكنها كانت مترددة، ثم بعد كل الذي جرى عليها قررت الذهاب، وأقنع «المودودي» أمها وأباها وطمأنهما على ابنتهما التي ستجد كل الرعاية والاهتمام، وفعلاً حزمت حقائبها وتركت «نيويورك» سنة 1382هـ/ 1962م واتجهت إلى «لاهور».
ثم إنها وصلت «لاهور»، وأحسن إليها الأستاذ «المودودي»، وأسكنها في بيته سنتين، ثم إنه زوجها لأحد أتباعه وهو «محمد يوسف خان»، وهو متزوج وعنده خمسة من الأولاد، لكن هذه المرأة العجيبة لم تمانع في التعدد، وقد اقتنعت به وهي ما زالت في أمريكا، وكانت تغضب من المانعين له مثل «بورقيبة»، أو من المبررين له تبريراً ضعيفاً، ثم طبقته بنفسها في «لاهور»، ومن الطريف أنها عرضت على «المودودي» الزواج منها لكنه اعتذر!!
وهي تعيش اليوم مع ضرتها في بيت واحد، وهي سعيدة بحياتها، وراضية، ولها ابنان وابنتان واثنا عشر حفيداً.
وعاشت في «لاهور» من سنة 1383هـ/ 1963م إلى يوم الناس هذا ولم تخرج أبداً، ولم تعد إلى أمريكا التي يتمنى كثير منا الذهاب إليها والعيش فيها!..
وعاشت حياة إسلامية رائعة، وهي مشرفة على حلقات نسائية في بيتها، وما زالت تكتب الكتب وترسل الرسائل إلى الآن حفظها الله .
وصل عدد كتبها التي ألفتها إلى قرابة 14 كتاباً ـ وما زالت تؤلف ــ - حفظها الله - ـ وكلها تفيض بروح وثابة، وفهم متميز، واطلاع وثقافة واسعة، وأفردت كتاباً في مأساة الفلسطينيين سمته «أحمد خليل»، ونشره الأستاذ «المودودي» في باكستان.
وأخيراً أقول: ما أعظم التبعة الملقاة علينا في إيصال الإسلام لكل البشر، إذ كم فيهم من أمثال «مريم جميلة» ممن يبحثون عن الحق ويريدونه!.
محمد نايف منير فارس: "علماء ومشاهير أسلموا" ، بيروت، 1431-2010. ص7 17-178.
2 تعليقات
nous sommes tres fiers que des gens comme vous font partie de nous
ردحذفالمؤلف للكتاب المذكور (علماء ومشاهير أسلموا) هو نايف منير فارس وليس محمد نايف منير فارس
ردحذف