المستغربون وإفساد المرأة والأسرة


 

في غياب الفهم الصحيح لنصوص الشرع والوعي بالهوية الثقافية، وتحت تأثير وطأة الفكر الغربي، سارعت بعض المنظمات بالدعوة إلى السفور ونبذ الحجاب منذ عقود طويلة. ففي الخمسينيات نشرت صحيفة "العلم" مقالا تحت عنوان: " ارفعي الحجاب عن وجهك يا سيدتي"، جاء فيه: "في فاس عقدت الرابطة النسوية لحزب الاستقلال في منزل السيد احمد مكوار، وتحت رئاسة حرمه... اجتماعا لدراسة مشاكل المرأة المغربية. وقد حضرالاجتماع عدد من سيدات المجتمع الفاسي وأوانسه من طالبات المعهد الثانوي التابع لجامعة القرويين، ومن مدرسة أم البنين الثانوية، وسواهما من المدارس التي يتابع فتيات فاس دراستهن فيها.كان موضوع الاجتماع هو الحجاب ..والحقيقة ان الرابطة توفقت أيما توفيق في معالجة هذا الموضوع الذي أصبح مثار مناقشات، ولعل القراء ـ والقارئات بالذات ـ تتبعوا ما تنشره هذه الجريدة من مقالات كلها تتصل بموضـوع الحجاب. فمنذ أيام كتبت الآنسة سعاد بلا فريح... وأول أمس عقبت الآنسة فاطمة القباج على الموضوع...والحجاب أصبح عقبة كآداء في طريق تقدم المرأة المغربية في بناء مجتمع سليم... يقوم على أساس تكافؤ الفرص للرجل والمرأة...هؤلاء الفتيات مؤمنات بأن الحجاب ليس وسيلة لستر عورة حرم الله النظر إليها... ولكنه حجاب يستر عنهن الحياة... يحجب عنها الانطلاق... والتحرر والشعور بالشخصية المسؤولة التي تواجه مصيرها بنفسها. إن الفتاة تشعر كأن الحجاب سلطة مشرعة عليها... فتظل أسيرة هذا الوهم...انها تريد ان تستنشق الهواء بمسامها كلها... أن تنظر إلى الحياة، فتشعر بأقدامها راسخة على الأرض. إنها لاتريد أن تبق "نوالة" متنقلة بالجلباب والجورب والحجاب... وإذا كانت المرأة فاضلة... مؤمنة بمسؤوليتها. واتقة من شخصيتها... فلماذا نربي فيها الإحساس بالنقص؟ لماذا نتصورها مخلوقة ضعيفة سهلة الاغراء؟
انظروا إلى هذه الصورة... وجوه ضاحكة...مشرقة لا ترى واحدة منهن تضع على وجهها حجابا...
لقد قررت الرابطة النسوية لحزب الاستقلال بفاس محاربة الحجاب... والدعوة إلىالسفور. انها خطوة جريئة نباركها وندعو كل هيئة نسوية الاقتداء بها.."1 .
انه الاستغراب الذي كان كامنا كمون النار تحت الرماد. لقد استغل أولئك النسوة ـ وأغلبهن ينتمين إلى الطبقات البورجوازية ـ الحالة النفسية للمرأة المغربية عشية الاستقلال حيث داعبتها رياح الحرية وحملتها بعيدة في أفق لامحدود، انها كانت تعيش لحظات كلها عاطفة وانفعالات نفسية سعيدة. وهكذا سرعان ما استجابت لنداء السفور بعدما أوهمت بأن لبس الحجاب والقعود في البيت سجن وذلة وخمول، وأن السفور تحرر. ومع غياب الوعي بالشريعة، تم الربط بين التحرر من المستعمر والتحرر من التقاليد التي تجسد تعاليم الإسلام ومبادئه، فكانت الثورة عليها وعلى بعض القيم التي هي من صميم الدين.
والخلاصة أن الفتيات والنسوة اللواتي استجبن لنداء السفور وقعن فريسة الاستغراب عند التلبية، وإن كنت لا أنفي ميلهن المسبق إلى نبذ الحجاب، في حين أن اللائي تولين كبره أي حملن لواء السفور، كن قد استغربن قبل الاستقلال بسنوات أو عقود، إذ لايخفى على أحد أن كثيرا من الأسر البورجوازية في المغرب أثناء الاستعمار، كانت معجبة بحياة الأوربيين وأسلوب عيشهم، فكانت تقلده ما استطاعت على خوف من الجمهور وعامة الناس، لكن بعد الاستقلال غدا التقليد قاعدة، وأصبح الاستغراب جليا بعدما كان كامنا.

1 ـ جريدة العلم , 24 غشت 1956 .

د. أبو عبد الرحمن عبد الله الشارف
تطوان ربيع الثاني 1433/ مارس 2012.

إرسال تعليق

0 تعليقات