يقول محمد الرفاعي الصيادي في كتابه "قلادة الجواهر": " ومن آداب المريد اللازمة أولا: حفظ قلب شيخه، ومراعاته في الغيبة والحضور... والتواضع له ولذريته وأقاربه، وثبوت القدم على خدمته، وأوامره كليها وجزئيها، وربط القلب به، واستحضار شخصه في قلبه في جميع المهمات، واستمداد همته، والفناء فيه، وأن يكون ملازما له لا يفتر عنه طرفة عين، ولا ينكر عليه ما ظهر منه من صفة عيب، فلربما يظهر من الشيخ ما لا يعلمه المريد".
ثم إن المريد لا يتعلق قلبه بشيخ سوى شيخه، ويفرده بالتعظيم والتبجيل ويتخذه وحده قبلة وقدوة. قال عبد الوهاب الشعراني: "ومن شأنه أن لا يكون له إلا شيخ واحد، فلا يجعل له قط شيخين؛ لأن مبنى طريق القوم على التوحيد الخالص، وقد ذكر الشيخ محيي الدين في الباب الأحد والثمانين ومائة من "الفتوحات المكية" ما نصه: "اعلم أنه لا يجوز لمريد أن يتخذ إلا شيخا واحدا لأن ذلك أعون له في الطريق، وما رأينا مريدا قد أفلح على يد شيخين، فكما أنه لم يكن وجود العالم بين إلهين ولا المكلف بين رسولين ولا امرأة بين زوجين، فكذلك المريد لا يكون بين شيخين".
وقال عبد المجيد بن محمد الخاني النقشبندي في كتابه " السعادة الأبدية": "اعلم أيها الأخ المؤمن أن الرابطة عبارة عند ربط القلب بالشيخ الكامل،... وحفظ صورته بالخيال ولو عند غيبته أو بعد وفاته، ولها صور؛ أهونها أن يتصور المريد صورة شيخه الكامل بين عينيه، ثم يتوجه إلى روحانيته في تلك الصورة، ولا يزال متوجها إليها بكليته حتى يحصل له الغيبة أو أثر الجذب... وهكذا يداوم على الرابطة حتى يفنى عن ذاته وصفاته في صورة الشيخ... فتربيه روحانية الشيخ بعد ذلك إلى أن توصله إلى الله تعالى، ولو كان أحدهما في المشرق والآخر في المغرب، فبالرابطة يستفيض الأحياء من الأموات المتصرفين".
لا شك أن القارئ الكريم قد فهم من خلال هذه النصوص جانبا مهما من جوانب العلاقة التي تربط المريد بشيخه الطرقي، والتي تبدأ بأصناف التأدب والاحترام وتنتهي بالغيبة والفناء في صورة شيخه التي لا تفارق خياله طرفة عين، ومن هنا لا يعجب المرء إذا سمع بمريد يستغيث بشيخه ويستنجده وهو غائب عنه أو قد ارتحل إلى الآخرة.>
د. عبد الله الشارف؛ "مناظرة صوفية" كتاب تحت الطبع.– 1- محمد أبو الهدى الصيادي؛ “قلادة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه الأكابر”، ص 278، ط. الأولى، 1400-1980، بيروت.– 2- عبد الوهاب الشعراني؛ “الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية”، ج1، ص40، المكتبة العلمية، بيروت، 1412-1992.– 3- عبد المجيد الخاني الخالدي النقشبندي؛ “السعادة الأبدية فيما جاء به النقشبندية”، ص. 22-23، إسطانبول 1401-1981.
0 تعليقات