الأساس الفلسفي لمفهوم اللاشعور الفرويدي



 

"يعتبر مفهوم “اللاشعور” من المفاهيم العلمية الأساسية التي يمكن القول أنها أحدثت ثورة إبستمولوجية في ميدان علم النفس، والتي شملت ميادين إنسانية أخرى كالاتنولوجيا والأنثروبولوجيا واللسنيات، بل حتى في مجال ابستمولوجيا العلوم المسماة “دقيقة” مثل الفيزياء.
وقد استطاع مؤسس التحليل النفسي الفيلسوف والطبيب النمساوي “سيغموند فرويد” أن يفسر الكثير من الظواهر الاجتماعية، والسياسية، والفنية، والإتنولوجية، والدينية…”( [1]).
“ لقد انتهت الملاحظات الإكلينيكية، في علاقة فرويد ببعض المرضى النفسانيين إلى وضع فرضية اللاشعور، هذه الفرضية أصبحت واقعا سيكولوجيا مؤكدا من خلال دراسة فرويد لظواهر سيكولوجية كثيرة، كالأحلام، والهفوات، والنكت، والنسيان، والصراع النفسي الذي يشكو منه المرضى النفسانيون.

وإذا كانت كل الدراسات والبحوث الغربية حول مفهوم اللاشعور قد أفصحت عن جذوره الفلسفية، فإن جلها نسبته إلى أحط أنواع الفلسفات اللاعقلانية. إن الميتافيزيقيات الألمانية التي أعقبت المرحلة الكانطية والمتعلقة خصوصا بشيلينغ، وهجيل وشوبنهار، هي التي صاغت مفهوم اللاشعور صياغة فلسفية.
في سنة 1818 صاغ شوبنهار فلسفته المبنية على الإرادة ويقصد بهذه “الإرادة حيوية لا معقولة تسري في الموجودات انطلاقا من الكائنات المادية مرورا بالنباتات، فالحيوانات وكل قوى الكون والطبيعة تعبر عن هذه “الإرادة”. ويعتبر الإنسان المرحلة النهائية لتجسيد هذه الإرادة.
لكن شوبنهار يرى أن هذه الإرادة الكلية أسمى من العقل، بل إن المعرفة والعقل يوجدان ويتحركان طبقا لأوامرها. ومن هنا فإنها إرادة لا شعورية. وكل قراراتنا وتصرفاتنا لا تعبر عن تفكير شعوري حر وإنما هي عبارة عن تجليات لتلك الإرادة( [2]).
“وفيما بين سنتي 1831 و 1846 بلور كارل كوستاف كروس نظريات تقنية قريبة من نظريات شوبنهاور، وقال بأن مفتاح معرفة الحياة العقلية الشعورية يوجد في منطقة اللاشعور.
ثم أتى بعده فون هارتمان وهو ألماني أيضا، ووضع كتابة فلسفة اللاشعور وذلك سنة 1869. فتأثر بالتـأمل الميتافيزيقي الهيجلي، وقال بان اللاشعور يؤسس الحياة العقلية كما يؤسس الحياة الجسدية، فكل النشاطات العقلية والجسدية مدفوعة بالقوة اللاشعورية، فالغريزة تهدف إلى غاية لا شعورية أي أنها لا تعي ولا تشعر بالهدف الذي تنتهي إليه.
لقد كانت فلسفات القرن التاسع عشر المتعلقة باللاشعور شديدة الخصوبة، إذ أنها عملت على تأسيس قوة اللاشعوور في الكون والإنسان، تلك القوة التي تحرك كل شيء وتحدد نشاطات العقل والشعور الإنساني”(3
إن فرويد وجه ضربة قاضية إلى العقلانية من خلال تأكيده أن مجال النشاط الإنساني يكمن في اللاوعي واللاشعور، وفي أعماق جلها ينكشف لعين المراقب، ومن خلال ميله إلى أن فكر الإنسان الواعي لا يسيطر على سلوكه إلا بمقدار يسير. وفي هذا الصدد يقول جورج بوليتزر: “عندما نريد التنويه بمفكر أو منظر نقول إنه أحدث ثورة كوبرنيكية… إن تلامذة فرويد لم يغفلوا عن تقديم مثل هذه التهنئة لأستاذ فيينا (أي فرويد)وتكمن الثورة الكوبرينكية التي أحدثها فرويد في كونه استبدل علم النفس المتمحور حول الشعور، بعلم النفس القائم على محور اللاشعور. وهذا العمل (من قبل فرويد) يتناغم مع الأطروحات اللاعقلانية، كما يفيد أن اللاعقلاني واللاشعوري يشكلان قاعدة النفس والحياة”(4.

[1])- ”الفكر الإسلامي والفلسفة” الكتاب المدرسي … ص275.”
([2[2])-J. C. Filloux ; L’inconcient P.U. F, Paris 1963 – P9 – 10.
([3المرجع نفسه ص 13 – 14.
([4G. Politzer (Ecrits: Les Fondements de la Psychologie) Ed. Sociales Paris 1973 P 297.

د. عبد الله الشارف،
أثر الاستغراب في التربية والتعليم بالمغرب، ص88-89-90. ألطوبريس، طنجة 2000.

إرسال تعليق

0 تعليقات