من لا شيخ له فالشيطان شيخه



 

هذه العبارة من مقولات الصوفية الطرقيين التي يستعملونها كثيرا عندما يحاورون إنسانا لا يؤمن بمبادئهم، وينكر ضرورة وجود الشيخ لمن أراد إصلاح نفسه وتزكيتها.
وهذا ما حصل لي مع بعض الأساتذة الجامعيين من الذين انتسبوا في السنوات الأخيرة إلى الطريقة البودشيشية، لما أنكرت عليهم تعلقهم بالطريقة الصوفية، ونبهتهم إلى أن السنة النبوية كلها منهج رباني رفيع ومتوازن، لمن أراد التوبة والتزكية. لكنهم أشادوا بموقفهم واختيارهم، واحتجوا بكلام أركانه أوهى وأضعف من أركان بيت العنكبوت. ومن ذلك قولهم: "من لا شيخ له فالشيطان شيخه" !! وإن المرء ليستغرب عندما يعلم أن أساتذة جامعيين يقذفون بأنفسهم في مستنقع الخرافات والضلالات، والأباطيل والدجل، نسأل الله العصمة والسلامة.
وقد أشار أبو حامد الغزالي: "فكذلك المريد يحتاج إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة ليهديه إلي سواء السبيل، فإن سبيل الدين غامض، وسبل الشيطان كثيرة ظاهرة، فمن لم يكن له شيخ يهديه قاده الشيطان إلى طرقه لامحالة، فمن سلك سبيل البوادي المهلكة بغير خفير فقد خاطر بنفسه وأهلكها، ويكون المستقل بنفسه كالشجرة التي تنبت بنفسها، فإنها تجف على القرب، وإن بقيت مدة وأورقت لم تثمر. فمعتصم المريد بعد تقديم الشروط المذكورة شيخه. فليتمسك به تمسك الأعمى على شاطئ النهر بالقائد... ، وليعلم أن نفعه في خطئه لو أخطأ أكثر من نفعه في صواب نفسه لو أصاب." (؟ !! ) (أبو حامد الغزالي: " إحياء علوم الدين" ، ج 3، ص 112-113.
إن القارئ المتأمل قد يعجب لهذه الأفكار الغريبة التي سطرها العلامة أبو حامد الغزالي في هذا النص تلك الأفكار التي تتعارض كليا مع منطق العقل والنقل أي الشرع فقوله "إن سبيل الدين غامض "، لم يقل به عامة الناس من المسلمين بله علماؤهم . إن الأدلة العقلية والنقلية على يسر الدين، ووضوح منهاجه، واستواء مسلكه، أكثر من أن تحصى. إن الله الذي خلق العباد و أمرهم بعبادته، وأرسل الرسل وأنزل الوحي، يستحيل أن يأمرهم بما لا يطيقون وبما لا يفهمون أو بما هو غامض. ومن الأدلة النقلية قوله تعالى " إن هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا" ( الإنسان 3 ).
ومن السنة الصحيحة، قول النبي (ص): "تركتم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك".
ثم إن قول أبي حامد الغزالي: " فمن لم يكن له شيخ يهديه قاده الشيطان إلى طرقه لا محالة"، قول مردود عليه. نعم نحن جميعا نعلم أن الشيطان عدو الإنسان الأكبر، لا يتوقف عن إغواء الآدميين والكيد لهم واهلاكهم، بيد أن الله يقول:"إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" ( الحجر 42)، ويقول أيضا :" إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون" (الأعراف 201).
والغريب أن المطلع على شطحات كثير من الشيوخ الطرقيين، وانحرافاتهم وتكالبهم على الدنيا، واستعبادهم لمريديهم، وأكاذيبهم ودعاواهم، ومسوخاتهم ومنكراتهم، لا يشك أن هؤلاء هم الشياطين حقا، كما قال تعالى: "شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا" (الأنعام 113).
د. أبو عبد الرحمن عبد الله الشارف
تطوان/ المغرب، ربيع الثاني 1433/ فبراير 2012.

إرسال تعليق

0 تعليقات