حول الفرانكوفونية في المغرب



 


حول الفرانكوفونية في المغرب


"وبدلا من تنقية برامج التعليم العصري ومناهجه من عناصر الفكر العلماني والمادي ، ومن التبعية الثقافية المتمثلة في ازدواجية لغة التعليم، وفرنسة الثقافة والتفكير والعواطف، بدلا من ذلك قام المسؤولون عن النظام التعليمي بإدماج التعليم الإسلامي الأصيل، والتعليم الوطني العربي الحر – الذي أنشأه الشعب المغربي في عهد الحماية ليقاوم به التعليم العصري المتفرنس – في التعليم العصري المذكور!، وهكذا طبق المسؤولون مبدأ التوحيد بطريقة عكسية لرغبة الشعب، تاركين مدارس البعثة الثقافية الفرنسية – بسلطتها المستقلة كدولة داخل الدولة – لتنشئ جيلا مغربيا متفرنسا مائة في المائة، ولتكون طبقة المسؤولين في البلاد، ولتزرع بذور التمزق الفكري، والصراع الطبقي والعقدي بين أبناء الشعب الواحد " .

وأخيرا لم تسلم رياض الأطفال من أخطبوط الفرانكوفونية؛ حيث نجد الطفل المغربي ولما يبلغ سنه الرابعة، قد أضحى فريسة للغزو اللغوي الأجنبي ، وأبواه يتلذذان باستماعهما إليه وهو يتلفظ ببعض الكلمات الفرنسية، إنها لجريمة نكراء ترتكب في حق هذا الطفل البريء؛ حيث يتم – في المهد – غرس بذور ازدواجية اللغة والشخصية، والصراع النفسي وأزمة الذات. وإذا كان تعلم الطفل للغة أجنبية إلى جانب لغة الأم في سن مبكرة جدا ينمي قدراته العقلية واللغوية… كما يدعي المسؤولون التربويون عندنا، فلماذا لا ينصح المسؤولون في الغرب أبناءهم بذلك؟ وإني أتحدى كل من يقدم لي ولو إسما واحد لدولة غربية يتعلم أبناءها في رياض الأطفال لغة ثانية إلى جانب اللغة الوطنية، إذ لو لم يكن في الأمر خطر على عقلية ونفسية الطفل لسبقنا إليه الغربيون لأنهم، أعلم الناس ببيداغوجيتهم الحديثة، وأنى لمقلد أن يبتكر فيما قلد فيه غيره؟
إن الاستجابة للمد الفرنكفوني عبر ممارسة اللغة الفرنسية، وتمثل ثقافة الفرنسيين وتقمصها وذلك من خلال الصحافة والإذاعة المرئية والمسموعة ومن خلال التعليم، لدليل جلي على مدى تجذر الاستغراب فكرا وسلوكا في المجتمع المغربي.
“ذلك أن اللغة ليست أداة معرفة فحسب، ولكنها كيان ثقافي. ويوم تتخذ أمة أو يتخذ شعب ما لغة علمية له غير لغته الأساس، سيكون مستعدا لأن يطرح أسس ثقافته الأساسية وكل مقوماتها الحضارية، ليندمج في ثقافة اللغة التي اعتنقها. اللغة توحي، وأكثر من الإيحاء أنها تنقل من الفكر ومن الفعل ومن الممارسة ومن البعد الحضاري، كل ما اختلطت به، فأصبح مجموع ما يكون الثقافة القومية والوطنية، تنقل كل ذلك إلى الشعب الذي اقتبسها، وشيئا فشيئا يندمج من حيث يشعر أو لا يشعر، وشيئا فشيئا يلغي كل مقوماته وكيانه لتصبح له مقومات أخرى مستعارة وكيان آخر مستعارا”

إن تعلم اللغات الأجنبية أمر حيوي للغاية، لا سيما ونحن نعيش في زمن العولمة والتحديات الحضارية والثقافية. لكن نشر هذه اللغات وإدماجها في المنظومة التعليمية والتربوية ينبغي أن يكون قائما على مبادئ وضوابط تأخذ بعين الاعتبار الثقافة والمقومات الذاتية للشعب المغربي، والتي تتجسد في الدين والهوية والتاريخ والحضارة. ومما لا شك فيه أن الموقع التي تحتله اللغات الأجنبية وخاصة الفرنسية في ميدان التربية والتعليم، والثقافة والإعلام، وشؤون الإدارة... يؤكد أن مقوماتنا الذاتية مستهدفة، وأنه يراد للشعب المغربي أن ينسلخ منها، بل إنه إنه مدفوع إلى ذلك دفعا.

ولعله لا مجال للمقارنة بين المغاربة الغيورين في عهد الاستعمار، الذين كابدوا حرب الفرنسة وعملوا على تأسيس المدارس والمعاهد الإسلامية الحرة،وبين أبنائهم وأحفادهم من المستغربين المعاصرين الذين ينافحون عن اللغة الفرنسية وينتصرون لها أكثر مما يفعل الكثير من أبنائها إزاءها. لكن قد يقول قائل إنهم معذورون أو مجبرون على هذا الاختيار باعتبار المناخ السياسي والاقتصادي العالمي، والفترات الانتقالية التي تلت الاستقلال، وكذا العلاقة الثنائية بين المغرب وفرنسا، وما شاكل ذلك من الأسباب الواهية. والحقيقة أن الاستغراب فعل إرادي تام، والمستغرب يمارس استغرابه بمحض إرادته ومن تلقاء نفسه، وإلا كان كل من عاش ويعيش وسيعيش الذل والهوان معذورا ولا ذنب عليه .

د. عبد الله الشارف
أثر الاستغراب في التربية والتعليم في المغرب، ألطوبريس، طنجة 2000.ص49-50-51-52.

إرسال تعليق

0 تعليقات