المسلم المهاجرفي الغرب والكليات الخمس



 

تهدف مقاصد الشريعة إلى حفظ النظام العام من خلال تحقيق المصالح وإبطال المفاسد. وأهم هذه المصالح هي المصالح الضرورية التي اصطلحوا على تسميتها بالكليات الخمس، وهي : حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال.
وإذا نظرنا إلى هجرة المسلمين في بلاد الغرب من خلال المصالح الضرورية، أو الكليات الخمس، ألفيناها لا تنسجم ولا تستجيب لمبادئ وأهداف ومقاصد الشريعة، لأنها تتعارض على الأقل مع ثلاثة من أركان الكليات الخمس وهي : الدين، والنفس، والنسل.
فمن حيث الدين، نجد أن المسلم المقيم في الغرب معرض لضياع دينه عقيدة وأخلاقا. وإذا كان المهاجرون الأوائل يحرسون على أداء صلواتهم كيفما تيسر، فإن هذا الحرص ضعيف جدا عند أبنائهم من الجيل الثاني، ويكاد يكون منعدما لدى أبناء الجيل الثالث ، نظرا لأنهم أشربوا عادات الغربيين ونشأوا بين أكنافهم، ونطقوا بلسانهم ولغتهم، وتأثروا بالحياة الغربية ومبادئ التربية العلمانية. وكذلك الشأن فيما يتعلق بباقي الأركان الدينية الأخرى من زكاة وصوم وحج.
وإذا انتقلنا إلى الركن الثاني من أركان الكليات الخمس، وهو ركن النفس، وجدنا أن العامل المسلم المهاجر في بلاد الغرب، قد بذل وسعه وطاقته في توفير الحاجيات الضرورية من غذاء ولباس ومسكن وعلاج ، وما إلى ذلك مما له علاقة بالجانب المادي في حياته، في حين نجده فد استهان بالمقومات الروحية والمعنوية للنفس.
لقد أنزل مهاجرنا المسلم بنفسه من الذل والهوان، ما لا يليق به وبكرامته باعتباره مسلما. وكفى بالعنصرية البغيضة التي يعانيها دليلا على كونه مهمشا، ومحتقرا، وضعيفا، وعرضة للاستغلال والازدراء والإهانة، والتهمة والطرد، وللسلوكات الوحشية التي كثيرا ما أودت بحياة بعض المهاجرين. كما أن ولاءه للغربيين وللقوانين الوضعية يؤثر في نفسه أيما تأثير، بحيث يخضع لسلطانهم وأحكامهم، تلك الأحكام التي غالبا ما تتعارض مع أحكام الدين الإسلامي. إن هذا الظلم الذي أنزله بنفسه، وبأهله الذين يتحمل مسؤوليتهم، بسبب إقامته بين ظهراني المشركين وخضوعه لهم، وقبوله لشروطهم، وحبه، وتقبله، واستحسانه لكثير من أفكارهم وعاداتهم.
أما فيما يتعلق بركن النسل، فإن الأمر أدهى وأمرُّ. ذلك أن معظم أبناء هؤلاء المهاجرين وأحفادهم، قد اختلطوا بأبناء النصارى اختلاط الحابل بالنابل، وتزوجوا منهم، وتناسلوا، فظهر نسل جديد محكوم عليه، إلا من رحم الله، بالذوبان والتلاشي، والانصهار في بوتقة المجتمعات العلمانية المادية؛ حيث تنعدم شجرة الأنساب، ودوحة الأرحام، ووشائج القرابة، ودفء العشيرة. فلا قريب ولا نسيب ولا حميم، ولا عمومة ولا خؤولة ولا أصهار. أبناء وأحفاد يربطهم بتاريخ ودين آبائهم وأجدادهم، خيوط أوهى من خيوط بيت العنكبوت.
ولست أبالغ إذا قلت: إن الكليات الخمس عند المسلمين في بلدان النصارى قد أصابها تصدع وتمزق، وانحراف خطير، وما لم يبادر هؤلاء المهاجرون إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فإن العاقبة ستكون وخيمة، ولن ينفع ندم بعد فوات الأوان. ورب قائل يقول: هذا أمر لا يرتق فتقه، ولا يلأم صدعه.
لقد كان مهاجرنا المسلم، وهو يغادر وطنه إلى أوربا، ينوى تحقيق مصلحة دنيوية. لكنه تجاهل أولم يتفطَّن للمفسدة الدينية التي قد تترتب عن جلب تلك المصلحة. ومن القواعد الفقهية الثابتة في الفقه الإسلامي؛ قاعدة؛ "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح".
والخلاصة أن عاملنا المسلم المهاجر في الغرب قد أخطأ عندما قدم حفظ المال على حفظ الدين والنفس والنسل، وفضل الدنيا على الآخرة.
د. عبد الله الشارف، كلية أصول الدين/ جامعة القرويين، تطوان المغرب.
مجلة "النور"، عدد 458، فبراير 2009،تطوان، المغرب.

إرسال تعليق

0 تعليقات