البربر في الإثنولوجيا الاستعمارية بالمغرب



لقد كان دور الباحث الاتنولوجي ـ بالنسبة للمستعمرـ لايقل أهمية عن دور كولونيل في الجيش. وقد يكون الأول أكثر قيمة من الثاني، لأن هذا الأخير لا يخطو خطوة إلا بعد أن يعبد له الباحث الاتنولوجي الطريق، ويقدم له وصفا دقيقا للناحية التي يقصدها أو ينـوي محاربة أهلها. ومن هنا خصصت إدارة المستعمر أموالا طائلة في سبيل البحوث الاتنولوجية والانتربولوجية والنشرات المتعلقة بها، وكذا إنشاء مؤسسات لتكوين وتأطير الباحثين. وهكذا استمرت “البعــثة العلمية “ Mission Scientifique التي تأسســت قبـل الإســتعمار بسنوات، في نشاطـها وبحــثها، وبقيت مجلة “الــوثائق المــغربــية” Archives Marocaines التي ظهرت سنة 1904م تشق طريقها إلى منتصف الثلاثينيات. ولم تترك هذه المجلة مجالا من المجالات الاجتماعية المغربية دون دراسة وتحليل. فنشرت مقالات مطـولة عن تقاليد المغرب وأعرافه في المدن و القرى، وكتبت عن الدين وعن كيفية ممارسته لدى المغاربة، كما أسهمت في الكتابة عن الزوايا والطرق الصوفية والشيوخ وتأثير ذلك في عقلية المغاربة، وتناولت بالنسبة للجانب الاقتصادي الحرف والمهن التقليدية وبعض أنواع التجارة في المدن ثم أساليب الزراعة والنشاط الفلاحي في البوادي إلى غير ذلك من المواضيع… وانصب النشاط الاتنولوجي والانتربولوجي أيضا على عنصر البربر وما يتعلق به من خصائص اجتماعية وثقافية، خصوصا بعد تأسيس المدرسة الفرنسية البربرية بالرباط سنة 1914م، التي كانت تصدر مجلة شهرية تحمل اسم “الوثائق البربرية“، حيث بسطت المعلومات والأخبار والدراسات الانتربولوجية عن النواحي البربرية. وبعد ذلك أطلق على هذه المدرسة سنة 1920م اسم “المعهد العالي للدراسات المغربية“. ولقد لعب المعهد دورا أساسيا فيما يتعلق ب “سياسة وحرب التهدئة”، التي كانت تستهدف إخضاع القبائل البربرية غير المسلمة. وهكذا ظهر كثير من الباحثين الذين يتقنون اللهجات البربرية والذين قاموا بمجهودات جبارة في سبيل قهر تلك القبائل.
"وسار الاستعمار الفرنسي في هذا الاتجاه وذلك من خلال:
1 ـ عزل العربية عن الحياة العامة في التعليم والادارة وغيرها كما هو معروف في الأقطار الثلاثة: المغرب ـ الجزائر ـ تونس.
2 ـ محاولة جعل البربرية كبديل عن العربية حيث كتبت بحروف لاتينية، وصارت تدرس بصفة رسـمية سنة 1913م بمعهد الدراسات الشرقية ببــاريس، وقام أنـدريه باسي بنشاط حثيث طوال إقامته بأرض المغرب العربي لتحقيق هذا الغرض، والذي مارس هو الآخر تدريس اللهجات البربرية بالمعهد المذكور. ولم يكتف المستعمر بذلك، بل أنشأ في نطاق هذا المخطط “متوسطة أزرو” بمراكش لتعليم اللهجات البربرية.
وفي سنة 1925م أدمجت مادة اللغة البربرية في مقــــررات معهد الدراسات العليا بمراكش.
والاستعمار الفرنسي لا يقصد من وراء اهتمامه المزعوم، تطوير البربرية وجعلها أداة لغوية مقتدرة، وإنما اتخذها كخطوة تكتيكية لعزل العربية، مما يفسح له المجال لإحلال الفرنسية محل الإثنتين، وليس هذا القول مجرد استنتاج تم التوصل إليه من خلال التحليل لأساليب الاستعمار الثقافية في المنطقة، وإنما هو حقيقة تضمنتها مخططاته المبيتة قد عبر عنها الأستاذجود فري ديمونبين بصورة لا لبس فيها بقوله: يجب أن تقوم اللغة الفرنسية لا البربرية مقام اللغة العربية كلغة مشتركة وكلغة للمدنية (…)
وعلى صعيد آخر فقد أنشأ الاستعمار الفرنسي ما سمي “بالمدارس البربرية” وهي مدارس لا تدرس البربرية ولا يدرس بها، وإنما سميت بذلك، والهدف منها فرنسة أبناء البربر لا غير، وهذا ما عبر عنه الكومندان “مارتي” أحد كبار دعاة السياسة البربرية، وما عبر عنه أيضا الكومندان “مارتي” بقوله: إن المدرسة الفرنسية البربرية هي مدرسة فرنسية بتعليمها وحياتها، بربرية بتلامذتها وبيئتها ."

 
د. عبد الله الشارف،الاستغراب في الفكر المغربي المعاصر؛ طوب بريس الرباط 2003، ص: 64-65

إرسال تعليق

0 تعليقات