لقد ذهب الباحثون الغربيون إلى أن التحليل النفسي الفرويدي لم يقتصر تأثيره فقط في التيارات الفلسفية الحديثة؛ كالوجودية والبنيوية والشخصانية… بل كان له أبلغ الأثر في علم النفس وسائر العلوم الإنسانية الاجتماعية والتربوية والسياسية والتاريخية، وكذا في الآداب والفن. إن علم الاجتماع الغربي يستخدم على نطاق واسع، التحليل النفسي لدراسة الشخصية والمجتمع، لدرجة أصبح معها التفسير الفرويدي لمختلف الظواهر الاجتماعية، نوعا من النموذج المقولب، الذي بواسطته يمكن تفسير كل شيء.
إن مواضيع التحليل النفسي استقطبت ألوان الإبداع الأدبي مثل مسرح العبث، والسريالية والدراما وشعر الاعتزال، والانقطاع عن العالم، وفنونا من الأدب المنثور. واكتسبت أفكار ونظريات التحليل النفسي شعبية خاصة وانتشارا كبيرا في الأدب الغربي المعاصر، كما أن كتابات بعض الأدباء من أنصار الاتجاه الفرويدي تركز على الخلفية الجنسية لمواقف الفرد الحياتية.
ومن ناحية أخرى فإن التحليل النفسي هو علم الشخصية، والشخصية في مجموعها كما تصورها فرويد تتألف من ثلاثة أجهزة رئيسة: الهو والأنا الأعلى. إن هذه الأجهزة الثلاثة تؤلف عند الشخص السليم عقليا، كيانا متجانسا وتمكنه من ممارسة نشاطه بطريقة مجدية وفعالة، في حين إذا اضطربت موازين تلك الشخصية قيل عن الشخص أنه شاذ.
“والهو” منبع الطاقة البيولوجية والنفسية التي يولد الفرد مزودا بها، فهو يضم الدوافع الفطرية التي ترجع إلى ميراث النوع الإنساني كله: الحاجات الفسيولوجية وغريزة الجنس وغريزة العدوان، وبعبارة أخرى فهو طبيعة الإنسان الحيوانية قبل أن يتناولها المجتمع بالتحوير والتهذيب وهو جانب لا شعوري عميق (…)
والأنا هو جانب من الشخصية يتكون بالتدريج من اتصال الطفل بالعالم الخارجي الواقعي عن طريق حواسه … وهو مركز الشعور والإدراك والتفكير، وهو المشرف على أفعالنا الإرادية، كما للأنا وجهين؛ وجه يطل على الدوافع الفطرية الغريزية في “الهو”، والآخر يطل على العالم الخارجي عن طريق الحواس. ووظيفته هي التوفيق بين مطالب الهو والظروف الخارجية. و”الأنا الأعلى” هو جملة القيم والمعايير والمعتقدات والمبادئ الخلقية، التي يستخدمها الفرد في الحكم على دوافعه وسلوكه والتي يهتدي بها في تفكيره وأفعاله. إنه حصيلة عملية التطبيع الاجتماعي. وهو من حيث وظيفته؛ جانب الشخصية الذي يوجه وينتقد ويوقع العقاب. أما من حيث هو قوة محركة فيمكن تعريفه بأنه استعداد لا شعوري دافع مانع رادع مكتسب، على أساس من الخوف والحب والاحترام(1
أعتقد أن التحليل النفسي في حقيقة الأمر لم يكن مجرد أسلوب علاجي في مجال الطب النفسي، بل هو عبارة عن منظومة شاملة للكون، بمعنى أنه فلسفة لها خصوصيتها المتمثلة في قولها بتصور خاص عن الإنسان والكون والمجتمع والتاريخ والحضارة، وهذا ما يمكن ملاحظته في ما سبق ذكره عن بنية اللاشعور عند فرويد من جهة، وما يمكن ملاحظته من خلال توضيح نظريته في الغرائز من جهة ثانية.
ورغم ما لقيت تاملاته وفرضياته من اعتراض علماء النفس والأطباء في عصره باعتبارها مجرد “نزوة فلسفية” وشطحة من شطحاتها، رغم ذلك تمسك فرويد برأيه وسار قدما في أبحاثه. لقد كان فرويد “طبيبا ومعالجا نفسيا وعالما فسيولوجيا. كان “فرويد” كل هؤلاء معا على حد سواء. ولكنه كان أيضا أكثر من هذا فيلسوفا.
"وقد وقعنا على إشارة إلى هذا في خطاب بعث به إلى صديق في سنة 1896 ذكر فيه: “لم أكتب كتابا أتمنى شيئا أكثر من المعرفة الفلسفية، وأنا الآن في طريقي إلى تحقيق هذه الأمنية بالانتقال من الطب إلى علم النفس(2).معنى هذا أن فرويد يعتبر علم النفس فلسفة وبالتالي فإن التحليل النفسي؛ الإبن الرضيع لعلم النفس يكون قد نشأ انطلاقا من مبادئ فلسفية.
1-د. احمد عزت راجح “أصول علم النفس” مطابع الأهرام التجارية القاهرة 1973 ص 410-144.
2-كلفن هال ”أصول علم النفس الفرويدي “ترجمة دم فتحي الشنيطي / دار النهضة العربية بيروت 1970ص2.
د. عبد الله الشارف
أثر الاستغراب في التربية والتعليم بالمغرب، ص80-81-82، ألطوبريس، طنجة 2000.
0 تعليقات