مدخل
لا أحد يشك في أن العلوم الإنسانية في الغرب المعاصر تعاني مشاكل حادة، سواء على مستوى المنهج أو فيما يتعلق بالبناء النظري. ويرى كثير من الباحثين المتخصصين أن هذه المشاكل المنهجية والنظرية مرتبطة بطبيعة موضوع العلوم الإنسانية من جهة، وبالمؤثرات الفلسفية والإيديولوجية التي رافقت تلك العلوم في تطورها ومسيرتها التاريخية.
ثم إن هذه الفلسفات والإيديولوجيات التي صبغت العلوم الإنسانية بصبغتها، تمثل النتاج الفكري والفلسفي الذي تمخض عن قرون من الصراع بين الفكر اللاهوتي الكنسي والفكر المتحرر، الذي عرف عند مفكري وفلاسفة عصري النهضة والتنوير.
ولما دخل القرن الثامن عشر الميلادي، كانت الثقافة الأوربية قد قطعت أعظم الأشواط في التحرر من هيمنة الفكر اللاهوتي الكنسي. ورفع فلاسفة التنوير شعار العقل، وآمنوا بقدرته على فهم الكون وتسخيره للإنسان، كما أخضعوا المعارف والعلوم للدراسة العقلية المتسلحة بالنقد والتحليل.
ومع نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، بزغت العلمانية كمذهب قوي في وجه الكنيسة الكاثوليكية المثخنة بالضربات، والانتقادات الفلسفية والعلمية. كما توج هذا الوضع بأكبر ثورة اجتماعية وثقافية في تاريخ الغرب؛ وهي الثورة الفرنسية، تلك الثورة التي شكلت أعظم سند لقيام المنهج الوضعي، وذلك على يد الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي أوجست كونت، في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي. وهكذا قامت الفلسفة الوضعية في وجه كل تفكير يخرج عن دائرة الحس، سواء كان تفكيرا دينيا، أم فلسفيا، أم عقليا.
يقول أوجست كونت: "إننا ما دمنا نفكر بمنطق وضعي في مادة علم الفلك أو الفيزياء، لم يعد بإمكاننا أن نفكر بطريقة مغايرة في مادة السياسة أو الدين. فالمنهج الوضعي الذي نجح في العلوم الطبيعية غير العضوية، يجب أن يمتد إلى كل أبعاد التفكير"[2].
لكن يواجه من يتصدى لدراسة منهج العلوم الإنسانية، بعدم اتفاق العلماء وفلاسفة العلم فيما بينهم بشأنه. وقد ظهر هذا الخلاف واضحا منذ النشأة الحديثة للعلوم الإنسانية أو الاجتماعية الغربية.
"فنجد من جهة من ينادي بوحدة المنهج بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية. حيث يرى أصحاب هذا الاتجاه أن العلوم الطبيعية قد وصلت إلى درجة من التقدم، مما يجعل مناهجها تقدم مثالا جديرا بالاحتذاء والتطبيق في المجال الإنساني. فالإنسان، في رأيهم، ليس إلا جزءا من العالم الطبيعي... و لا مندوحة لمادة العلاقات الإنسانية، إذا أريد لها أن تكون علما، عن السير في نفس الطريق المنطقي الذي تسير فيه بقية العلوم الطبيعية".[3]
وهناك الرافضون لفكرة الوحدة المنهجية بين علوم طبيعية وعلوم إنسانية، وللرأي القائل بأن العلوم الطبيعية هي المثل الأعلى للفهم العقلي للواقع. ويذهب هؤلاء الرافضون إلى أنه: " بينما تتعامل العلوم الطبيعية مع علاقات ثابتة وموضوعات مادية قابلة للقياس وتخضع للتجارب، فإن العلوم الإنسانية تفقد التجارب والقياس وتتعامل مع موضوعات معنوية ونفسية تند عن الثبات. من الخطأ إذا، في رأي أصحاب هذا الاتجاه، تطبيق المناهج التي ثبت نجاحها في العلوم الطبيعية على العلوم الإنسانية، لأن هذا سوف يؤدي إلى خلط كبير، بل هو السبب في تخلف العلوم الإنسانية. فالوحدة المنهجية في رأيهم مرفوضة لأنها تقوم على افتراض غير مؤكد، فحواه أن الطرق المستخدمة من قبل العلماء الطبيعيين هي وحدها المتصفة بالعلمية"[4] .
وهكذا إذا كانت القوانين الفيزيائية والبيولوجية والجيولوجية صالحة في كل زمان ومكان لكون العالم الطبيعي يحكمه نسق من الاطرادات الثابتة، فإن القوانين الإنسانية لا تخضع للنسق نفسه، لأنها تختلف باختلاف الزمان والمكان.
"إن البحث العلمي إنما هو مجرد نشاط إنساني متأثر في نشأته وتطوره وفي صورته الحالية، بالظروف التاريخية والاختيارات الثقافية والقيمية الخاصة بالمجتمعات الغربية...وأنه بهذا يحتمل ظهور توجهات أخرى منبثقة من نظرات أخرى للكون والحياة... نظرات قد تتطلب إدخال تعديلات جوهرية على تلك النظرة التقليدية خصوصا عند التعرض بالدراسة للظواهر الإنسانية"[5]
ومن ناحية أخرى، فإن المناهج والدراسات الاجتماعية والتنظيمية لا يمكن فصلها عن الاتجاهات الفلسفية والإيديولوجية التي تسيطر عليها، بل وتؤثر في عملية التنظير العلمي والمنهجي.
"وقد جاءت فلسفة العلوم الإنسانية، أو فلسفة العلوم الاجتماعية (والتسميتان سواء) وليدة اهتمام نشأ لدى الفلاسفة للإجابة على أسئلة يثيرها الواقع الاجتماعي والبحث العلمي، والتي لم تجد إجابات شافية لها من جانب العلماء المتخصصين في تلك العلوم. وموضوع هذا الفرع من الفلسفة هو تلك العلوم، ومهمته هو التحليل النقدي لمناهجها وافتراضاتها ومعطياتها، وذلك بهدف إقامة - إن أمكن – نظرية تحاول أن تجيب على كافة التساؤلات التي يستدعيها الواقع الاجتماعي. فإذا كانت "فلسفة العلم" هي القاعدة التي تقوم عليها العلوم الطبيعية، فلا أقل من أن تكون "فلسفة العلوم الإنسانية" أو "فلسفة العلوم الاجتماعية" هي القاعدة التي تقوم عليها العلوم الإنسانية أو العلوم الاجتماعية."[6]
وتأكيدا على أهمية الفلسفة بالنسبة للعلوم الإنسانية، ذهب الفيلسوف ميرلوبونتي إلى "عدم وجود أي عداوة بين المعرفة العلمية والمعرفة الميتافيزيقية؛ إذ الثانية تضع الأولى أمام المهام المكلفة بها. فالعلم بدون الفلسفة يجهل ما يتحدث عنه، والفلسفة بدون دراسة منهجية للظواهر لن تصل سوى إلى حقائق صورية أو شكلية"[7].
و يقول لوسيان غولدمان: "إن الفلسفة تقدم بالفعل حقائق عن طبيعة الإنسان، وكل محاولة ترمي إلى إقصائها من مجال المعرفة، لا بد وأن تنعكس سلبا على فهم الظواهر الإنسانية. وفي هذه الحالة سيكون لزاما على العلوم الإنسانية أن تصبح فلسفية بالضرورة كي تكون علمية"[8].
ويصعب على من يشتغل بنشأة وتطور العلوم الإنسانية في الغرب، أن يعثر على عالم واحد في هذا الميدان، سواء كان من الرواد الأوائل أم من المعاصرين، لا ينطلق في فرضياته ونظرياته وأبحاثه العلمية، من رؤية فلسفية معينة. فأوجست كونت الذي انتقد التفكير الميتافيزيقي والفلسفي والديني، وكرس جهوده العلمية لبناء الفكر الوضعي وتأسيس الفيزياء الاجتماعية؛ أي علم الاجتماع، هذا الرجل هو الذي ألف كتابه الشهير : "دروس في الفلسفة الوضعية" في عدة مجلدات، وهو الذي قال عنه عالم الاجتماع الفرنسي كاستون بوتول عندما تحدث عن "دين الإنسانية" وعن المعتقد الوضعي الجديد:
"لقد اعتنى كونت في آخر حياته وبشكل دقيق بوصف شعائر دين الإنسانية، وكان يهدف إلى تأسيس نوع من الدين يهتم بتقديس الإنسانية المعتبرة بمثابة "الكائن الأعظم". وقد أجهد نفسه ليجمع في هذه الديانة كل الشعائر الموجودة، ويجعل لها هيئة كهنوتية وسلطة عليا دينية وعلمية وسياسية، يكون من مهامها أن تدير مصير الإنسانية"[9]
ألا يعكس الحديث عن "دين الإنسانية" تصورا فلسفيا معينا ؟؟
ويقتفي إميل دوركايم أثر أستاذه أوجست كونت، إذ يقول في كتابه "التربية الأخلاقية": "إن الشخصية الإنسانية هي الشيء الخليق بالتقديس، وإن لها حق التبجيل الذي كان المؤمنون في كل الأديان يكنونه لإلههم، ولقد عبرنا نحن أنفسنا عن هذه البديهة حين جعلنا من فكرة الإنسانية غاية وأصلا للوطن"[10].
ونجد جورج كورفيتش في بعض كتاباته يعيب على جيل الرواد من علماء الاجتماع تأثرهم بالنزعات الفلسفية[11].
ويشترك كارل ماركس مع أوجست كونت وإميل دوركايم وماكس فيبر في الاهتمام المزدوج بالقضايا الفلسفية التجريدية والواقع العياني للحياة اليومية.
وكما ظهر التأثير الفلسفي في البناء النظري والمنهجي لعلم الاجتماع، تجلى أيضا في علم النفس؛ فالتحليل النفسي عند فرويد مثلا، لم يكن مجرد أسلوب علاجي في مجال الطب النفسي، وإنما هو عبارة عن نظرة شاملة للكون، بمعنى أنه فلسفة لها خصوصياتها المتمثلة في قولها بتصور خاص عن الإنسان والكون والمجتمع والتاريخ والحضارة، ورغم ما لقيت تأملاته وفرضياته من اعتراضات علماء النفس والأطباء في عصره باعتبارها مجرد "نزوة فلسفية" وشطحة من شطحاتها‘ فإن فرويد تمسك برأيه وسار قدما في أبحاثه.
"لقد كان فرويد طبيبا ومعالجا نفسيا، وعالما فسيولوجيا؛ كان فرويد كل هؤلاء معا على حد سواء، ولكنه أيضا كان أكثر من هذا؛ كان فيلسوفا. وقد وقعنا على إشارة إلى هذا في خطاب بعث به إلى أحد أصدقائه في سنة 1896، ذكر فيه: "لم أكتب كتابا أتمنى شيئا أكثر من المعرفة الفلسفية، وأنا الآن في طريقي إلى تحقيق هذه الأمنية بالانتقال من الطب إلى علم النفس".[12]
معنى هذا أن فرويد يعتبر علم النفس فلسفة، وبالتالي فإن التحليل النفسي يكون قد نشأ انطلاقا من مبادئ وتصورات فلسفية.
إن فرويد وجه ضربة قاضية إلى العقلانية من خلال تأكيده أن مجال النشاط الإنساني يكمن في اللاوعي واللاشعور، وفي أعماق جلها ينكشف لعين المراقب، ومن خلال ميله إلى أن فكر الإنسان الواعي لا يسيطر على سلوكه إلا بمقدار يسير. وفي هذا الصدد يقول جورج بوليتزر:
"عندما نريد التنويه بمفكر أو منظر، نقول إنه أحدث ثورة كوبرنيكية ... إن تلامذة فرويد لم يغفلوا عن تقديم مثل هذه التهنئة لأستاذ فيينا ؛ أي فرويد. وتكمن الثورة الكوبرنيكية التي أحدثها فرويد في كونه استبدل علم النفس المتمحور حول الشعور بعلم النفس القائم على محور اللاشعور، وهذا العمل من قبل فرويد يتناغم مع الأطروحات اللاعقلانية، كما يفيد أن اللاعقلاني و اللاشعوري يشكلان قاعدة النفس والحياة".[13]
ومن ناحية أخرى فإن مدرستي الوضعية والإمبيريقية مازالتا إلى الآن توجهان العلوم الاجتماعية وتؤطرانها وتؤثران فيها، فالاتجاه الوضعي الإمبيريقي الجديد يهيمن على تلك العلوم بما يقدمه من مناهج وأدوات البحث الوضعية الإمبيريقية. كما أن هذا الاتجاه حريص على استلهام روح الفلسفة الوضعية، والعمل بتعاليم المؤسس الأول أوجست كونت. وفي وقتنا الراهن فإن نظريات مابعد الحداثة تستلهم، بطريقة أو أخرى، التراث الكلاسيكي لفلسفة العلوم الإنسانية.
ثم إن الإمبيريقية المنطقية التي تطورت عن الوضعية المنطقية، والتي تمثل النموذج السائد اليوم في فلسفة العلوم بصفة عامة، تستحق إشارة خاصة لبيان طبيعتها:
"لقد أوضح ألبرت ليفي الأفكار الأساسية للإمبيريقية المنطقية كما يلي:
1- كل كلام "ذي معنى" يتكون إما من:
أ- عبارات "صورية" منطقية أو رياضية.
ب- قضايا تشير إلى حقائق علمية "واقعية".
2- أي قضايا تزعم أنها تشير إلى حقائق يكون لها معنى فقط إذا كان في الإمكان بيان الطريقة التي يمكن بها التحقق منها بالرجوع إلى الواقع المحسوس.
3- أي قضايا تتصل بما وراء الوجود، ولا تقع في نطاق الفئتين المذكورتين أعلاه لا معنى لها.
4- جميع العبارات المتصلة بالقيم الأخلاقية أو الجمالية أو الدينية لا يمكن التحقق منها علميا وهي بهذا لا معنى لها."[14]
ولا يتسع المجال في هذا المدخل لمزيد من البرهنة على أثر الفلسفة في نشأة وتطور نظريات ومناهج العلوم الإنسانية. وفيما يلي سأتناول هذا الموضوع من خلال الأنتربولوجيا البنيوية.
البنيوية في المجال الأنتربولوجي
1- توطئة
بالرغم من أن الفلسفة البنيوية قد أفلت، أو شرعت في الانحسار منذ ما يقرب من أربعة عقود، فإن ذلك لا يعني أن كتابات البنيويين قد أصبحت عقيمة، أو أن قراءتها والتأمل فيها ضرب من السخافة العقلية أو إهدار للوقت. بل العكس هو الصواب أو عين الحقيقة؛ حيث أن الدراسات النقدية حول الفلسفات الحديثة أو القديمة لم تزل متواصلة ومطردة، إن الفلاسفة الأعلام أمثال؛ أرسطو، أو ابن سينا أو ابن رشد أو كانت، أو هيجل وغيرهم... لم تغب شخصياتهم الفكرية عن الدراسات الفلسفية المعاصرة، وكل يوم تقرأ عن هذا الفيلسوف أو ذاك‘ أو نستمع إلى محاضرة تحوم حول فلسفة معينة حديثة أو قديمة.
ولقد تبين لي من خلال اطلاعي على بعض الفلسفات الأوربية واليونانية، أن فهم النسق الحضاري للمجتمع الأوربي المعاصر أو اليوناني القديم ، لن يتأتى إلا بعد قراءة متأنية للفلسفات المؤسسة لذلك النسق .
وهكذا فإن الباحث الذي يروم الإلمام بأسس الحضارة اليونانية مثلا، يلزمه الاطلاع على إنتاج فلاسفة اليونان. وكذلك الشأن فيمن يريد تحليل الحضارة الأوربية المعاصرة. ولعل المتأمل في الفلسفة البنيوية يدرك مدى التطابق والتلازم اللذين حصلا بين روح هذه الفلسفة وطبيعة الحضارة الأوربية في الفترة الزمنية التي تجلى فيها الاقتران والتداخل بينهما.
لقد ركزت الفلسفة الوجودية على الجانب الذاتي والوجداني وعلى مسؤولية الإنسان وقلق اختياره، وأنزلت من قيمة العقلاني والموضوعي؛ وذلك بسبب الحربين العالميتين ومآسي الاشتراكية والبيروقراطية. لكن بعد نهاية الحرب وشروع الأوربيين في البناء من جديد، ظهر عجز الوجودية، وبدأ الفكر الوجودي ينحسر، بعدما ساد في فرنسا وألمانيا والدانمارك وغيرها من البلدان الأوربية، حينئذ ارتسمت في الأفق معالم فلسفة جديدة ؛ إنها فلسفة البنيوية التي ظهرت كرد فعل ضد التيار الوجودي ذي الطابع الذاتي والوجداني، وضد التيار الماركسي الثوري.
من " البنى الأولية للقرابة" إلى "الفكر المتوحش"، ومن " المدارات الحزينة" إلى "المطبوخ والنيئ"، ومن "أصل آداب المائدة" إلى "من العسل إلى الرماد"، حقق ليفي ستراوس تحويل النموذج الألسني، منتقلا من نظرية في اللغة إلى نظرية في القرابة إلى نظرية في العقل إلى نظرية في الأسطورة، منتهيا إلى نظرية عامة في المجتمعات.
بدأ ليفي ستراوس في تطوير الجوانب المنهجية التي كان عليها أن تفسر الوعي بالحياة، والتي يمكن أن تساعد – في الوقت نفسه – على كشف اللاوعي الفرويدي الجمعي بمساعدة السيميولوجيا –وهو العلم الذي يدرس حياة العلامات في المجتمع، مؤكدا عشوائيتها ومفترضا وجود علاقة بين خصائص الدال والمدلول فيها، وقد تكاملت هذه الجوانب المنهجية بإضافة ما في النظريات اللغوية الحديثة: ياكوبسون وهيلمسليف ومارتينيه على سبيل المثال، إلى نظرية دو سوسير، وأصبح ذلك كله بمثابة الأساس النظري التي تقوم عليه مناهج البنيوية، وينطوي هذا الأساس على تسليم مؤداه الاستخدام الناجح لطرائق الكشف عن القوانين العامة للغة، وما يتصل بذلك من الكشف عن القوانين التي تحكم علاقتها بمختلف مجالات النشاط الإنساني، تتكون أنساقه من أبنية عقلية مفترضة. ولقد أثارت هذه الطبيعة للبنيوية اهتمام مجموعة من المفكرين، وحفزتهم على تشييد مذاهب بنيوية كاملة خاصة بهم، في مقابل مذاهب أخرى مضادة، مما كان له تأثيره في الحياة السياسية والاجتماعية الفرنسية.
بل إن كتابا آخرين وسعوا تطبيق هذا النموذج حيث شمل النقد الأدبي والاقتصاد والسياسة والتاريخ، فقد استعمل الأديب الفرنسي رولان بارت المنهج البنيوي في كتاباته الأدبية والنقدية، ومال جاك لاكان إلى نفس الاتجاه في علم النفس والتحليل النفسي، كما اكتسحت البنيوية المجال البيداغوجي ومجال الهندسة المعمارية وعلم الاجتماع والفلسفة والأنتربولوجيا التي أثرت فيها تأثيرا عميقا.
2- المنهج البنيوي من اللغة إلى الأنتروبولوجيا
تعتبر الأنتربولوجيا من العلوم الاجتماعية والإنسانية الحديثة، وتهتم أساسا بدراسة المجتمعات البدائية أو "المتوحشة"، إلا أنه لوحظ في العقود الأخيرة بأن كثيرا من الباحثين الأنتربولوجيين يستديرون نحو دراسة المجتمعات المسماة "متمدنة". وترمي الأنتربولوجيا إلى معرفة الإنسان معرفة شاملة تشمل شخصه بامتداده البشري والجغرافي كله، متطلعة إلى معرفة يمكن تطبيقها على مجمل التطور البشري . وتعتمد الأنتربولوجيا في صياغة نظرياتها على أبحاث ودراسات الإتنولوجيا، التي بدورها تعتبر أول خطوة لتركيب وتنظير نتائج ومعطيات الإتنوغرافيا، ويمثل هذا العمل الأخير أي الأتنوغرافيا المرحلة الأولى في دراسة الأنتربولوجيا العامة، إذ أن مهمة الإتنوغرافيا تتعين في الملاحظة والوصف والعمل الميداني.
ومن ناحية أخرى يمكن القول بأن الإتنوغرافيا والإتنولوجيا والأنتربولوجيا لا تؤلف ثلاثة فروع علمية مختلفة أو ثلاثة مفاهيم مختلفة ومتباعدة، بل هي في الواقع ثلاث مراحل أو ثلاث لحظات لبحث واحد، وإيثار هذا النمط أو ذاك يعبر فقط عن اهتمام مهيمن يتجه نحو نمط من البحث لا يستبعد النمطين الآخرين بأية حال.
أما من حيث طريقة البحث، فإن الأنتربولوجيا قد استخدمت المنهج الانتشاري ثم المنهج االتطوري قبل أن تعرف المنهج الوظيفي، وابتداء من الأربعينيات اطلع كلود ليفي ستراوس على النتائج التي توصل إليها علم اللغة أو الألسنية، من خلال تطبيق الطريقة البنيوية، فأعجب بها، ومن ثم فكر في تعميم هذه الطريقة على الدراسات الأنتربولوجية.
أعاد ل. ستراوس إلى الأذهان الخطوات الأساسية التي أنجزتها الألسنية وخصوصا علم الأصوات الكلامية كما وصفه تروبوتسكوي، على اعتبار أن هذه المنجزات كانت هي الملهمة لأبحاثه الخاصة:
أ- علم الأصوات الكلامية ينتقل من دراسة الظاهرات اللغوية الواعية إلى دراسة بنيتها التحتية اللاواعية.
ب- يرفض أن يعامل الألفاظ على أنها كيانات مستقلة ويتخذ العلاقات بين الألفاظ أساسا لتحليله.
ج- يأخذ بمفهوم النسق.
د- يرمي إلى اكتشاف قوانين عامة.
ومن هنا لاحظ ل. ستراوس بأن الألسنية قد توصلت قبل سائر العلوم الإنسانية الأخرى إلى دقة تشابه دقة العلوم الطبيعية، وهكذا يقول هذا الفيلسوف الأنتربولوجي:
"يحتل علم اللغة مكانا ممتازا في مجمل العلوم الاجتماعية التي ينتمي إليها بلا ريب، فهو ليس علما اجتماعيا كالعلوم الأخرى، بل العلم الذي قام بأعظم الإنجازات وتوصل إلى صياغة منهج وضعي ومعرفة الوقائع الخاضعة لتحليله في وقت واحد، وهو الوحيد بلا ريب الذي يستطيع المطالبة باسم علم"[15].
ويعتبر موضوع القرابة من بين أهم المواضيع الاجتماعية والأنتربولوجية التي درسها ليفي ستراوس بلغة الألسنية، "عندما يدرس العالم الاجتماعي مسائل القرابة ( وبعض المسائل الأخرى بلا ريب) يجد نفسه في موضع صوري شبيه بوضع العالم اللغوي الفونولوجي: ذلك أن حدود القرابة شأنها شأن الوحدات الصوتية، هي عناصر ذات دلالة، وهي مثلها لا تكتسب هذه الدلالة ما لم تندمج في أنظمة. ثم إن "أنظمة القرابة" مثل "الأنظمة الفونولوجية"، يعدها العقل على مستوى الفكر غير الواعي؟ وأخيرا إن معاودة بعض أشكال القرابة وقواعد الزواج والمواقف المفروضة بين بعض نماذج الأقارب إلى آخره، في مناطق بعيدة من العالم وفي مجتمعات شديدة الاختلاف، يحمل على الظن بأن الظاهرات التي تتسنى ملاحظتها في الحالتين على السواء تنتج عن حكم قوانين عامة ولكنها خفية[16].ا.
يلاحظ رجاء كارودي قائلا:
"ليس من المستبعد أن تكون مثل هذه المماثلة خصبة... لكن هل من المشروع وإلى أي حد يمكن اختزال جميع أنظمة القرابة أولا، ثم شيئا فشيئا جميع مظاهر الحياة الاجتماعية إلى نظام؟ ... يقول ليفي ستراوس : " إن نظام القرابة لغة"[17]
ولعل هذا الاختزال المفتعل الذي وقع فيه ليفي ستراوس يرجع أساسا إلى التعارض القائم بين النظريتين السانكرونية والدياكرونية في مجال علم اللغة الحديث، إن دو سوسير بالرغم من تأكيده على الربط بين الحلقات السانكرونية للوصول إلى الدياكرونية، قد أعطى الأسبقية لوجهة النظر السانكرونية، ويرى هذا اللغوي بأنه يستحيل القيام بدراسة دياكرونية دون اعتبار الوظيفة العامة للنظام، ذلك أن تغير بعض عناصر اللغة يؤدي إلى تغير كلي داخل النظام، وهذا يعني أسبقية النظام على كل شيء آخر في الدراسة، ومادام النظام لا يمكن أن يكون إلا سانكرونيا فيجب حتما أن تكون الدراسة سانكرونية، ولما كانت البنيوية تؤكد على السانكرونية بشكل آلي تقريبا – وتعزل النص اللغوي مثلا عن صاحبه وعن تاريخ اللغة – يبتعد بها عن المرونة، فقد فشلت الألسنية في إيجاد نظرية حقيقية للتغيرات التي تحدث داخل اللغة أي التطور اللغوي، ومن هنا فإن ليفي ستراوس باستخدامه بنيوية الألسنية قد أوقع الأنتربولوجيا والدراسات الاجتماعية في نفس الورطة التي أوقع فيها دو سوسير علم اللغة.
ويشكل مفهوم اللاشعور عنصرا أساسيا في المنظومة البنيوية، كما أن ليفي ستراوس كثيرا ما صرح بأنه مدين في فكره لبعض أعمال فرويد المتعلقة بالتحليل النفسي، وركز على العلاقة القوية بين صفة الخفاء المميزة للبنيات الاجتماعية والجانب اللاشعوري في شخصية الفرد. وإذا كان فرويد يعتبر مجال اللاشعور مستقلا عن الإرادة الشعورية، فإن ليفي ستراوس يعتبر البنيات الاجتماعية مستقلة كذلك عن الوعي الذاتي، يقول ل.س:"إننا مضطرون لأن نتصور البنيات الاجتماعية بوصفها مواضيع مستقلة عن وعي الناس لها، مع أنها هي الناظمة لوجودهم، وباعتبارها قابلة لأن تختلف عن الصورة التي يكونونها عنها اختلاف الواقع الفزيائي عن التمثل الحي الذي تكونه الفرضيات التي نصوغها بصدده"[18].
وانطلاقا من كونه يرى بأن اللاشعور هو أساس معقولية واتصال الظواهر الطبيعية، فإن بعض المفاهيم مثل "اجتماعي" "رمزي" "نسقي" و "لا شعوري"، تتداخل فيما بينها وينطوي بعضها على البعض الآخر، بالإضافة إلى أن اللاشعور يظل القاعدة الأساسية ويلعب الدور المهيمن.
" إن اللاشعور الذي يتكلم عنه ليفي ستراوس هو أساس تكوين العقل، ولا يوجد تحت سيطرة الشعور بالرغم من أن هذا الأخير يدرس ويبحث في اللاشعور، واللاشعور طبيعي لأنه عام وشامل."[19].
يقول ليفي ستراوس بصدد تعريفه للاشعور في إطار فكره البنيوي وحيث يتجلى تأثره بمدرسة التحليل النفسي: "يشكل اللاشعور مجموعة القوانين الباطنية التي تشرف على الاتصال الرمزي... ومن ناحية أخرى فإن وظيفة اللاشعور تتعين في فرض وإعلاء قوانين بنيوية. وهذه القوانين تمتد قوتها من الغرائز والانفعالات والذكريات. وإذا كان الأنا الأعلى يمثل المعجم الفردي حيث تتراكم المفردات المتعلقة بالحياة الشخصية لكل واحد منا، فإن هذه المفردات لا تكتسب أي معنى سواء بالنسبة لنا أو لغيرنا إلا بعد أن يقوم اللاشعور بتنظيمها وصياغتها على شكل خطاب"[20].
الأنتربولوجيا البنيوية ونفي التاريخ
لعل الصراع القائم بين البنيوي والتاريخي يرجع إلى بداية علم الاجتماع، إذ أن أوجست كونت انطلاقا من نظرية سان سيمون حول المجتمع بصفته كلا عضويا، ذهب إلى تقسيم هذا الكل إلى جانب سكوني وجانب حيوي، مع منح الأهمية والأولوية للجانب الأول وجعل الثاني تبعا له، بعبارة أخرى لقد كان المذهب الوضعي لأوجست كونت يميل إلى التركيز على عوامل التوازن والثبات الاجتماعيين ، لآن واضع علم الاجتماع الغربي كان يهدف بعلمه الجديد إلى إيجاد حلول للمجتمع الفرنسي خاصة والأوربي عامة، وإعادة التوازن بين مختلف الجماعات والطبقات الاجتماعية.
كان من الضروري أن يحتدم الجدل والصراع بين البنيويين وأصحاب النزعة التاريخية، لاختلاف رؤية كل منهما حول الظواهر الاجتماعية، خلال القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين، كان التفسير التاريخي للظواهر الاجتماعية والاقتصادية وغيرها هو السائد، فالسابق يتحكم دائما في اللاحق ويحدد شروطه. ففي الميدان البيولوجي مثلا قدم داروين تفسيرا لتطور الأحياء من منظور تاريخي، وحاول هربرت سبنسر تطبيق نظرية داروين البيولوجية فى المجال الاجتماعي ، كما أن التفسير الاقتصادي للمجتمع عند ماركس يقوم على نظرية شاملة في المادية التاريخية، وأن علاقات الإنتاج قد تشهد تغيرات كثيرة بفعل العامل التاريخي. وبعبارة أخرى فإن العلوم الإنسانية على الخصوص أصبحت مدينة للتفسير التاريخي بحيث لا يمكن فهم أي ظاهرة تتصل بالإنسان إلا بالرجوع إلى سوابقها وخلفياتها التاريخية.
إن البنيوية ترفض النزعة التاريخية وتستعيض عنها بتصور آخر يظل فيه العقل البشري متضمنا صورا أو قوالب أو عمليات ثابتة على مر العصور، بحيث أن كل تقدم تاريخي يظل محتفظا بالنواة المركزية مع إعادة تفسيره لها تبعا لمقتضيات العصر.
في معرض الكلام عن التاريخ من وجهة نظر البنيوية، يقول هنري لوفيفر: "إن التاريخ من جهة ينمحي أمام الاعتبارات النسقية والتوازنات والارتباطات والثوابت البنيوية، ومن جهة أخرى يفقد القيمة المتعلقة بالماضي وينفتح على مستقبل محدد بمقتضيات التقنية المحضة."[21]
وكما فصلت الألسنية اللغة عن التاريخ، يقول ك.ليفي ستراوس مشيرا إلى الجهود الجوهرية القائمة في نظره بين التاريخ والبنية: "إن العلوم الاجتماعية والإنسانية لها أيضا علاقاتها الاجتماعية، وعلى سبيل المثال العلاقة بين البنية والتطور ( التاريخ ) فنحن لا نستطيع عقل أيا منهما إلا بتجاهل الآخر والعكس بالعكس"[22]، إنه جرد التاريخ عن موضوعه قائلا: " يكفي أن نعرف بأن التاريخ ليس إلا منهجا وبأنه لا يملك موضوعا محددا."[23]
" إن المرء لا يجد حرجا في القول مع ليفي ستراوس بزيف أو خطأ فكرة التقدم المستمر السائر دائما في خط مستقيم وحيد الاتجاه، لكنه لن يستطيع الأخذ بوجهة نظرية لا زمنية تضع التاريخ بين قوسين، وتقرر أن "التزامن" الساكروني تعبير عن "تعاقب" دياكروني ثابت... إن التاريخ يفضي إلى كل شيء، ولكن على شرط أن نعرف كيف نخرج منه"[24] إن التركيز على الطريقة الساكرونية في تفسير التاريخ تعني بطريقة أو أخرى إيقاف عملية التاريخ ووضع حد للتطور.
لقد كان ليفي ستراوس صائبا عندما انتقد الاتجاه التاريخي فيما يتعلق بتطور العقلية البشرية، حيث عارض فكرة التطور المرحلي لهذه العقلية من أسفل إلى أعلى، وفكرة كون عقلية المجتمعات البدائية تمثل مرحلة الطفولة الأولى كما ذهب إلى ذلك ليون برونشفينج مثلا، وكذا فكرة "عقلية ما قبل المنطق" لدى البدائيين والتي تعني أن عمليات التفكير عند الإنسان البدائي لا تستند إلى أسس منطقية، بل كثيرا ما تنبني على قوانين متناقضة، كما ذهب إلى ذلك ليفي بريل في نظريته حول ما سماه ب: "عقلية ما قبل المنطق" وهي عقلية الأقوام البدائيين". باختصار لقد حمل ك.ليفي ستراوس في كتابيه "الفكر المتوحش" و "السلالة و التاريخ" على أصحاب نزعة "مركزية الذات"، الذين يعتبرون حضارة الغرب مقياسا لكل الحضارات والثقافات.
لكن لماذا هذا الدفاع المستميت عن المجتمعات البدائية؟ في الحقيقة لم يشتغل ليفي ستراوس بدراسة البدائيين وثقافتهم إلا لأن مجال هذه الدراسة يقدم تجسيدا نموذجيا للتفكير اللاتاريخي أو لثبات التاريخ.
وإذا كانت الأنتربولوجيا البنيوية قد نجحت في كشف الأنساق الثابتة في إطار المجتمعات البدائية، فإنها عجزت عن تطبيق منهجها على الجماعات البشرية الحديثة التي هي مجتمعات موجودة "في التاريخ". أما الشعوب البدائية فإن الأسطورة عندهم تحل محل التاريخ، ومن سمات الأسطورة أن التعاقب الزمني لا يؤثر فيها كثيرا، وإذا طرأ عليها تطور خلال الزمان فإن القديم فيها يتعايش مع الحديث، ومن هنا كان الميدان المفضل عند ليفي ستراوس للبحث في المبادئ الأساسية للعقل الإنساني، هو الأساطير البدائية المعبرة عن العقل في ثباته وفي سماته الجذرية.
"إن ليفي ستراوس يفسر التقاليد الشفاهية للمجتمعات البدائية بطريقة لا تاريخية، إن التاريخ عنده يعاد تأسيسه كلما حكيت الأسطورة أو استرجع الماضي. وبدل أن يكون التاريخ سلسلة من الأحداث الموضوعية المرتبطة بمرحلة أو مراحل معينة، يغدو هذا التاريخ حضورا آنيا من تفاعل الأبنية العقلية الذي يقع في "لحظة" بعينها. ومادام الماضي قد أصبح بعض الحاضر، على هذا النحو، يسقط ليفي ستراوس من حسابه النظريات التقليدية عن التقدم أو التطور.
ويشرح إدموند ليتش نظرية ليفي ستراوس شرحا جيدا عندما يشبه المعطيات التي تختزنها الذاكرة الجمعية للإنسان بتلك التي يختزنها جهاز كمبيوتر بالغ التعقيد، يقوم بتصنيف المعلومات وفقا لبرنامج "قابل للتعديل"[25].
وأمام الضغوط الاجتماعية وتعقد خصوصيات الحضارة الغربية المعاصرة، لم يعد للتاريخ والارتباطات دور فعال: "إن التاريخ من جهة ينمحي أمام الاعتبارات النسقية والتوازنات والارتباطات والثوابت البنيوية، ومن جهة أخرى يفقد القيمة بالماضي وينفتح على مستقبل محدد بمقتضيات التقنية المحضة"[26]، ولما كان كل عمل فكري بنيويا في أساسه، وكان التاريخ عملا فكريا، فلا مناص من أن يكون منهجا عوض أن يكون ذا موضوع محدد، وهكذا يجرد ل.ستراوس التاريخ عن موضوعه: " يكفي أن نعرف بأن التاريخ ليس إلا منهجا وبأنه لا يملك موضوعا محددا."[27].
يقول رجاء كارودي في معرض الكلام عن تقهقر العامل التاريخي وعن العلاقة المتينة القائمة بين البنيوية والحضارة الغربية المعاصرة: ".... والقوة المرعبة للوسائل الجماهيرية لنشر الثقافة من صحافة وإعلام وإذاعة وتلفزيون وسينما، وكذلك للمؤسسات التي ستخدم هذه الوسائل لتكييف سلوك الأفراد مع غايات اقتصادية وأخلاقية وسياسية محددة، هذه القوة المرعبة قد خلقت وضعا فعليا يغدو معه الجانب المرئي والظاهري من المسالك الفردية متبنينا بالمخططات والتصاميم... وهكذا يتراجع إلى مرتبة ثانوية آن المبادرة التاريخية الخلاقة للإنسان الذي يتصرف كذات مسؤولة، ويشارك فعليا بقراره في تدشين مستقبل جديد. وإذا لم نر سوى سطح الأشياء بدا لنا التاريخ بأسره قابلا للإرجاع إلى جدل بين بنيات لها فعاليتها الخاصة بها، بحيث تنتفي الحاجة أو تكاد إلى الرجوع من البنية إلى النشاط الإنساني المولد لها."[28].
سوفسطائية زينون على ضفاف السين
يعتبر التراث الإغريقي القديم أحد المصادر والروافد الأساسية في بناء الفكر الغربي الحديث والمعاصر، فقد أحيت أوربا في معركتها الثقافية تراثها القديم، وإذا تصفحنا أعمال كثير من فلاسفة ومفكري النهضة الأوربية ألفيناها زاخرة بأفكار وتأملات اليونانيين مع صياغة جديدة وملائمة لروح العصر الحديث. ولقد كانت النظرة العامة التي تولدت عن نمو فلسفة النهضة هي في أساسها نظرة اليونانيين، وقد بعثت من جديد. إن الفيلسوف الإنجليزي توماس مور مثلا، بنى نظريته الاجتماعية والسياسية والتي فصلها في كتابه "اليوتوبيا" مستلهما جمهورية أفلاطون.
ولم يكن تفكير الألماني "كانت" إلا تفكيرا أرسطيا لما أطلق اسم المقولات – وهو مصطلح أرسطي – على المبادئ العامة للعقل، تلك المبادئ التي يضفيها الذهن من عنده من أجل تشكيل التجربة في صورة معرفة. ثم إن أعمال نيتشه مستوحاة في المحل الأول من المثل العليا اليونانية في عصر ما قبل سقراط وخاصة في إسبرطة، وقد استحدث في كتابه الرئيسي الأول " ميلاد التراجيديا" التمييز المشهور بين الحالتين الأبولونية والديونيزية للروح اليونانية. وكان هيجل مثل هيراقليط يضفي قيمة كبيرة على الصراع والنزاع، ويذهب على حد القول بأن الحرب أرفع أخلاقيا من السلم.
إن المشكلات الفكرية والاجتماعية التي تزامنت وظهور الثقافة العصرية عملت على إثارة مناقشات فلسفية قديمة. وهكذا نجد أن هيجل يكتشف هيراقليط، ثم جاء كارل ماركس من بعده واهتم بنفس الفيلسوف اليوناني وبأفكاره حول الصراع وحركة الذرات.
وإذا تعرضنا لأوجه الشبه الكائنة بين البنيوية الحديثة والنسق الفلسفي لزينون اليوناني ازددنا يقينا بأن الفكر الغربي مازال يستلهم الفكر الإغريقي ولو بطريقة غير مباشرة، وليس غريبا أن ينتمي كل من زينون وليفي ستراوس إلى فترة حضارية متسمة بالأفول والظلام الفكريين[29].
لم يكن زينون اليوناني أكثر من فيلسوف استعمل فكره للدفاع عن بنية وطنه الاجتماعية والثقافية التي باتت مهددة من الداخل ومن الخارج، لذا نجده قد كرس حياته لبلورة ونشر أفكار فلسفية تساعد على قبول الواقع كما هو، وترفض كل ما من شأنه أن يغير المسار الاجتماعي الذي رسمته الحضارة اليونانية في الشطر الأخير من حياتها. ومن هنا اتخذ زينون موقفا معاديا من فلسفة هيراقليط التي تدعو إلى الحركة والتغير، واستعمل كثيرا من الأساليب الجدلية والكلامية لدحض أفكار هذا الخصم، حتى قال عنه أحد اليونانيين المعاصرين له وهو تيمون دي فليون: " إن زينون له لسان ذو حدين فهو يستطيع أن يفند لك كل ما يمكن أن تقول".[30]
ولكي يبرهن على عدم صحة مفهومي الكثرة والحركة، عمد زينون الأيلي هذا إلى عرض حجج لا تخلو من تناقضات، ومن أمثلته المشهورة في هذا المجال مثال السهم، فهو يقول: "إن السهم الذي انطلق من قوس وذهب في الهواء لا يتحرك أبدا، وإن كنا نراه متحركا لأنه في كل لحظة من لحظات طيرانه يكون غير متحرك بل موجودا وثابتا في نقطة معينة من الفضاء، وهكذا يرى زينون أن الحركة والتغير مجرد أشباح لا أساس لها، ومدلولهما ينطوي على التناقض، وأن وراء هذه الحركة والتغير الزائفين توجد الوحدة الثابتة التي لا تتجزأ ولا تتغير ولا تذوب.
لقد كان زبنون الأيلي ذا قدرة فائقة على الجدل على طريقة السوفسطائيين، كما كان القدوة الأساسية للمدرسة الأيلية التي تصدرت بالنقد والتفنيد لآراء أتباع هيراقليط، وبذل هؤلاء الأيليون مجهودات ومجادلات فكرية كبيرة لإعلاء قيمة المكان على حساب مفهوم الزمن المتضمن لمعنى الحركة والصيرورة، ذلك لأن الوصول إلى فرض مفهوم المكان وإعطائه الأولوية ينتج عنه سيطرة فكره الثبات الملاصقة لمفهوم المكان، وبالتالي نفي التغير في الوجود، وفي الوجود الاجتماعي على الخصوص.
وكما كرس زينون جزءا من حياته لتفنيد نظرية التغير الهيراقليطية ودافع عن فكرة الثبات، نجد أن ليفي ستراوس منذ بداية حياته العلمية وجه انتقادات عديدة للنظريات الماركسية وللفكر الجدلي، كما اعتبر البنيات التي توصل إليها من خلال دراسته للمجتمعات البدائية بمثابة قوانين ثابتة في الزمان.
لقد باتت أثينا مهددة من الداخل بفعل تفاقم المشاكل السياسية والاجتماعية، ومن الخارج بوجود العدو الرابض في إسبرطة والذي يتهيأ للانقضاض على الوطن الأثيني. وفي ظل هذه الظروف لم تكن فلسفة زينون الأيلي لتناصر فكرة التغير والحركة لأن المجتمع الأثيني كان قد ولج مرحلة الشيخوخة وفقد فتوته، وهكذا انتقص الأيليون من قيمة مفهوم الزمن وأرادوا أن يوقفوا عجلته لما شعروا بخطره.
أمام الواقع الحالي للحضارة الغربية، يقوم ليفي ستراوس من خلال فكره البنيوي بدور مشابه لما قامت به الفلسفة الأيلية، فقد تصدى هو الآخر لمفهوم الزمن المتضمن لمعنى التغير والثورية، ووضع أفكارا ونظريات حاول من خلالها التخفيف من وطأة المستقبل المظلم، لقد حقق المجتمع الغربي في رأيه نوعا من التماسك في بنياته الاجتماعية، دون أن ينجو من بعض عوامل التفكك التي نشبت في تلك البنيات وباتت تهدده، يجب العمل إذن على إيقاف الانزلاق نحو الكارثة.
إن الخوف من التطور ومن الزمن – كما يرى هنري لوفيفر –[31] هو الذي جعل ليفي ستراوس وغيره من الأنتربولوجيين يهتمون بدراسة الشعوب البدائية والموضوعات الأثرية، فالفكر البنيوي الاجتماعي يكون قد سجل إذن تراجعا في مسيرة الفكر الغربي لكونه يعارض الزمن والتغير ويدافع عن واقع المجتمعات الغربية ويعلي من شأن القبائل والمجتمعات البدائية.
الخلفية الفلسفية لبنيوية كلود ليفي ستراوس
إن تكوين كلود ليفي ستراوس كان تكوينا فلسفيا قبل أن يصبح اجتماعيا وأنتربولوجيا. ولقد ظلت آثار ثقافته الفلسفية عالقة بذهنه وهو يمارس أبحاثه ويضع فرضياته الأنتربولوجية، الشيء الذي جعل إدوارد ليتش وهو أحد نقاد البنيوية، يرى بأن ليفي ستراوس كان يتصرف دائما كما لو كان داعية يدافع عن قضية لا عالما يدافع عن الحقيقة العلمية.
يقول الدكتور زكرياء إبراهيم في كتابه "مشكلة البنية": "إن القول بأن للبنيوية رسالة علمية لأن النشاط الذي تقوم به يندرج تحت باب النظر أو الإبستمولوجيا، إنما هو في الحقيقة قول ناقص... والسبب في ذلك أن البنيوية كما لاحظ الكثيرون، تنطوي على منظور فكري خاص يحمل في طياته انقلابا فلسفيا حقيقيا... لأن من شأن هذا المنظور البنيوي أن يجعل من "الذات" مجرد "حامل" لا ترتكز عليه "البنية" أو البنيات، كما أن من شأنه أيضا أن يحيل "التاريخ" إلى محض تعاقب اعتباطي لبعض "الصور"، أو "الأشكال".[32]
إن الأطروحة المركزية للبنيوية هي أسبقية العلاقة على الكينونة، وأولوية الكل على الأجزاء، فالعنصر لا معنى له إلا بعقدة العلاقات المكونة له، ولا سبيل إلى تعريف الوحدات إلا بعلاقاتها.
فهي أشكال وليست جواهر ولأجل هذا فإن ما يدخل في الاعتبار ليس الوقائع وإنما العلاقات بين الوقائع.
وبما أنه واضح كل الوضوح بأن الواقعة لها معناها وبدونه لا يمكن تحديد ماهيتها، فإن ليفي ستراوس يتذرع بالألسنية من أجل الخروج من أسر اللامنطق، الذي يقع فيه، ومن تعاليم الألسنية أن الأصوات لا معنى لها، والمعنى هو للكلمة المؤلفة من تمازجها[33].
ويمكن أيضا فهم المعنى الذي أعطاه ليفي ستراوس لبنياته من خلال التفسير الأنتروبولوجي التالي: " إذا كان النشاط اللاوعي للذهن يشتمل على فرض الأشكال على المضمون، وإذا كانت هذه الأشكال هي نفسها أساسا لجميع الأذهان القديمة والحديثة، البدائية والمتمدنة –كما تبينه دراسة الوظيفة الرمزية بكثير من الوضوح في تعبيره عن نفسها عبر الكلام – فيجب ويكفي الوصول إلى البنية غير المتوعية الكامنة تحت كل مؤسسة وتحت كل تقليد، وذلك للحصول على مبدأ للتفسير يصلح لمؤسسات أخرى وتقاليد أخرى، شرط أن ندفع بالتحليل بعيدا."[34].
إن البنية في نظر ك.ل.ستروس نظام آلي له آلياته الخاصة التي تعمل بطريقة رمزية لا شعورية بحيث يمكن القول بأن كل بنية لا بد أن تكون "بنية تحتية"، لأنها في صميمها آلية لا شعورية تكمن خلف العلاقات المدركة، وتعمل علمها من وراء الوعي المباشر للأفراد وهذا يجعلنا نستنتج أن الأفراد يسلكون سلوكا جبريا.
لكن ما هي العلاقة بين البنيات والعقل؟ وهل تصدر البنيات عن العقل، بل كيف يتصور ك،ل،ستراوس العقل في هذا الإطار؟.
في هذا الصدد يقول جان بياجييه : " إن البنيات ليست جواهر صورية ذلك أن ل،ستراوس ليس فينوميولوجيا ولا يؤمن بالمدلول الأولي ل "الأنا" أو "التجربة المعيشة"، أما الصيغ التي تعاود بلا انقطاع فهي إنما تصدر عن "العقل"، أو عن عقل إنساني مماثل دوما لنفسه، ومن هنا أوليتها على العامل الاجتماعي، (على عكس أولية العامل الاجتماعي على العقل الذي ينتقدها عند دور كايم) وعلى العامل العقلي. ومن هنا التسلسلات المنطقية التي تربط فيما بين العلاقات العقلية، وبالأحرى على الجهاز العضوي الذي يفترض بها تفسير الانفعال الشعوري ولكنه ليس مصدر البنيات. غير أن المسألة تزداد حدة: ما هو إذن نمط وجود العقل أو الذهن إن لم يكن اجتماعيا أو عقليا أو عضويا؟"[35].
ويتابع جان بياجيه معبرا عن رأي ل،ستراوس في هذه النقطة: " إذا أمكن القول بأن أي سياق حيوي هو سياق "معقل"، فيمكن الأخذ بأن الحياة هي حياة هندسية... ونستطيع أن نذهب اليوم في التأكيد بأنه، أي العقل، يعمل في نقاط عديدة جدا مثل آلة إحيائية أو "ذكاء صناعي". لكن من هذا المنظور ماذا يصبح العقل الإنساني المماثل لنفسه دائما؟ يقول ك،ل، ستراوس : ليكن البرهان استمرارية " الوظيفة الرمزية".
ونعترف بأننا لم نفهم مبدأ ما الذي يبقي هذا " العقل معززا إذا جعلنا منه مجموعة تصورات دائمة عوضا عن نتاج مستمر لبناء ذاتي متواصل"[36].
ومن ناحية أخرى فإن الدراسات والأبحاث الإتنوغرافية والإتنولوجية التي قام بها ليفي ستراوس على ضوء المنهج البنيوي، تعكس التمزق النفسي الذي يعيشه الغرب كحضارة، ذلك التمزق الذي أريد التخلص منه عن طريق الاتصال بالشعوب البدائية والمتخلفة.
يقول ك. ليفي ستراوس في كتابه "المدارات الحزينة": "يقال بأن المجتمع الغربي هو المجتمع الوحيد الذي ظهر فيه الإتنوغرافيون، وهنا تكمن عظمته، لكني أرى بأن الغرب لم يلد الإتنوغرافيين إلا بسبب ألم وحيرة شديدين
قضا مضجعه، وأرغماه على أن يواجه ويقابل صورته بصورة المجتمعات المتخلفة، لعل هذه المجتمعات تعكس نفس العيوب والشوائب الموجودة في الغرب، أو على الأقل تفسر لماذا انتشرت هذه العيوب في المجتمع الغربي دون غيره، والمأسوف عليه أكثر من ذلك هو أنه إذا كانت مقارنة مجتمعنا بغيره من المجتمعات المعاصرة أو الماضية تؤدي إلى انهيار أسسه، فلا مناص من أن تتحمل المجتمعات الأخرى نفس المصير[37].
انطلاقا من هذا النص نستنتج أن الغرب إذ يعمل على دراسة غيره من المجتمعات، يقوم بعمل تشريحي يستهدف واقعه الذاتي ومكوناته النفسية، ويأمل أن يجد في النظم الاجتماعية والثقافية لهذه المجتمعات ما به يقيم التوازن لشخصيته ووجوده. ومما يؤكد أيضا هذا الاستنتاج قول ليفي ستراوس "لن ينقدني علم النفس ولا الميتافيزيقا ولا الفن، أما الأساطير فبوسعها أن تفعل ذلك."[38].
إن الفلسفة البنيوية حين تتحدث عن اختفاء الكائن البشري كموجود فعال وخلاق، فإنها تترجم وتدافع عن ذلك الاتجاه الذي يتلخص في تأكيد طغيان النسق على الإنسان، بحيث يصبح الإنسان مسلوب الإرادة لا قوة له على التحكم في تطوره ومصيره، ولا يتبقى معه إلا أن يدع ذلك النسق يسير في مجراه، ويحمله معه بين طياته.
هذا الاتجاه إلى إخضاع دراسة الإنسان للمعقولية والموضوعية الكاملة هو الذي بدا في نظر الكثيرين، مهددا للإنسان نفسه، بحيث تبلورت حوله كل الانتقادات التي وجهت للبنيوية من شتى الاتجاهات.
خلاصة
يتبين من خلال هذه الدراسة مدى صدق الفرضية التي انطلقت منها، والتي تتلخص في كون العنصر الفلسفي عنصر هام وجوهري في بناء وتطور مناهج ونظريات العلوم الإنسانية. وما يصدق على الأنتربولوجيا يصدق على باقي العلوم الإنسانية الاجتماعية والنفسية والتاريخية والاقتصادية وغيرها. ثم إن رواد ومؤسسي المناهج والنظريات والمدارس الاجتماعية والنفسية والتاريخية، بدءا من أوجست كونت، كانوا من أنصار الفلسفات الحديثة والمعاصرة، ومن المنظرين الكبار في ميدان الفلسفة.
وهكذا فإن الأنتربولوجيا البنيوية التي تناولتها في هذه المداخلة، وأشرت إلى أسسها الفلسفية، تؤكد تلك القاعدة وتثبت الفرضية المذكورة.
إن المنهج البنيوي الذي استخدمه ليفي ستراوس في أبحاثه الأنتربولوجية، ما هو إلا منهج من بين مناهج عديدة استعملت في ميدان العلوم الإنسانية؛ مثل المنهج الوضعي الدوركايمي، والمنهج الماركسي الراديكالي، والمنهج الوظيفي، والمنهج التفاعلي، ومناهج ما بعد الحداثة في وقتنا الراهن...وما إلى ذلك من ألوان المناهج. وإن دل هذا التعدد المنهجي على شيء، فإنما يدل على اختلاف التصورات والرؤى الفلسفية التي ينطلق منها مؤسسو تلك المناهج وواضعوها.
ثم إن تعدد الرؤى الفلسفية له علاقة متينة بتعدد الإيديولوجيات، مما يحتم علينا الاعتقاد بأن العلوم الإنسانية لا تنطلق من فراغ، وإنما هي دائما منتمية، والانتماء الأول يكون إلى عالم الحياة بما تزخر به من خبرات وتصورات إنسانية.
وفي هذا الصدد يقول الفيلسوف الفرنسي ميرلوبونتي: "الفلسفة لازمة لعلم الاجتماع كنداء مستمر إلى مهامه. وكلما رجع عالم الاجتماع إلى المصادر الحية لمعرفته، وإلى ما يعمل بداخله كوسيلة لفهم التشكيلات الثقافية البعيدة عنه، كلما فعل ذلك يكون عندئد ممارسا للفلسفة بشكل تلقائي".[39]
إن هذه الفلسفة التي يمارسها الباحث الاجتماعي كما يقول ميرلوبونتي، ما هي إلا انعكاس لوضع إيديولوجي معين. فعالم الاجتماع، أو عالم النفس، أو الأنتربولوجي لا يستطيع، في نظر المحللين الموضوعيين التجرد الكامل من أهوائه وميوله ، وتصوراته الفلسفية والإيديولوجية أثناء بحثه في الظواهر التي تنتمي إلى ميدان عمله، وهذا يجعل الموضوعية تشكل إشكالية عميقة في علوم المجتمع والإنسان.
وأختم هذا العرض بالتساؤل الآتي:
إذا كانت النظريات والمناهج في العلوم الإنسانية الغربية نسبية وخاضعة لتصورات فلسفية وإيديولوجية متعددة، فهل نحن في بلدان العالم الإسلامي ملزمون بتبنيها واستنباتها في واقعنا وكياننا التربوي والثقافي والحضاري ؟
أم نحن مطالبون بإعداد وصياغة منهج بديل في العلوم الإنسانية يستلهم روح تراثنا ويجمع بين الأصالة والمعاصرة ؟.
الدكتور عبد الله الشارف
ندوة "مسارات البحث وإشكالات المنهج في العلوم الإنسانية"، جامعة عبد المالك السعدي،كلية الآداب، تطوان/ 1428-2007.
[1] - يرجع اهتمامي بالبنيوية إلى أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات؛ زمن الدراسة والتحصيل في الجامعة الفرنسية بباريس، حيث كنت أتردد على كوليج دو فرانس؛ فأستمع مرة إلى محاضرات جاك بيرك، ومرة أخرى إلى محاضرات ميشيل فوكو أو كلود ليفي ستراوس. وكنت شغوفا بقراءة مؤلفات هذا الأخير، ولم تكن قراءتي لها تخل من بعض الانتقادات والملاحظات التي حافظت عليها إلى جانب بعض المذكرات والخواطر، وذلك رغم الظروف الصعبة لحياة الطلبة في بلاد المهجر أو الغربة. وهكذا بعد ما يقرب من ثلاثة عقود كتب لتلك الانتقادات والملاحظات أن تشكل العمود الفقري لنص هذه المداخلة.
[2]1976; pp86-87 Raymond Aron: Les étapes de la pensée sociologique / Ed; Tel Gallimard
[3] - د. علا مصطفى أنور: "أزمة المنهج في العلوم الإنسانية"، المعهد العالمي للفكر الإسلامي؛ "قضايا المنهجية في العلوم الإسلامية والاجتماعية"‘ القاهرة 1417-1996/ ص187.
[4] - المرجع نفسه ؛ ص 189.
[5] - د. إبراهيم عبد الرحمن رجب: " التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية" ، دار علم الكتب، الرياض..1416-1996، ص 51.
[6] - د. علا مصطفى أنور: "التفسير في العلوم الاجتماعية، دراسة في فلسفة العلم"؛ القاهرة دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1988، ص7.
[7] - / Paris Nagel. 1966. p. 171. Merleau-ponty/ M. Sens et non sens
[8] - لوسيان غولدمان: "العلوم الإنسانية والفلسفة"، ترجمة ذ. محمد العدلوني الإدريسي و ذ. يوسف عبد المنعم، دار الثقافة؛ الدار البيضاء، 1422-2001؛ ص 6.
[9] - Gaston Bouthoul .Histoire de la Socioglogie ; Ed. PUF Paris 1961 p. 60. .
[10] - إميل دوركايم: "التربية الأخلاقية" ، ترجمة السيد محمد بدوي، مكتبة مصر ، د.ت. ص 104
[11] - انظر Gurvitch par G. Balandier / Ed. Puf . Paris 1972 . p 23
[12] - كالفن هال "أصول علم النفس الفرويدي"، ترجمة د. م. فتحي الشنيطي، دار النهضة العربية بيروت 1970، ص 2.
[13] - Ed. sociales Paris 1973 / p. 297. G. Politzer : Ecrits les fondements de la psychologie
[14]- د. إبراهيم عبد الرحمن رجب؛ "التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية"، دار عالم الكتب، الرياض، 1996، ص 72.
[15] L’anthoropologie structurale : Ed: Plon 1966 paris p53 C. L. Strauss
[16] L’anthoropologie structurale / plon 1966 paris p53
[17] رجاء جارودي البنيوية، فلسفة موت الإنسان ترجمة جورج طرابيشي طبعة ثالثة لبنان 1985 ص:31.
[18] C.L Strauss Antropologie structurale p40
[19] Y Simonis / Calaude levi strauss ou la passion de l.inceste/ aumier moutraque 1968p44
[20]- C.L Strauss Anthropologie structurale p224-225
[21] H Lefèvre; " L idéologie structuraliste"L/ edit anthropo / france 1971 p14
[22] C.L Strauss pensée sauvage/ Ed. Plon 1962. p307
[23] C.L Strauss pensée sauvage p347
[24] زكرياء إبراهيم مشكلة البنية، مكتبة مصر، د. ت. ص: 113-114.
[25] - إيديت كيروزيل "عصر البنيوية من ليفي ستراوس إلى فوكو" ترجمة جابر عصفور، دار قرطبة للطباعة والنشر الدار البيضاء 1986 ص:35.
[26] - C. L. Strauss/ Pensée sauvage..p 307
[27] - ك، ليفي ستراوس المرجع نفسه ص:347.
[28] رجاء بارودي: البنيوية فلسفة الموت. ص:16.
[29] - راجع على سبيل المثال : "أفول الحضارة الغربية" للكاتب الألماني أوزوالد شبنجلر.
[30] - "حكمة الغرب" المرجع السابق؛ ص 48.
[31] - H. lefèvre, L idéologie structuraliste, op. cit
[32] - زكرياء إبراهيم: المرجع السابق ص 25
[33] مجلة الفكر العربي ص:204.
[34] Antropologie structurale. levi strauss p28
[35] جان بياجيه البنيوية ص:91.
[36] جان بياجيه البينوية ص: 93.
[37] CL Strauss triste tropique edition plon paris p53
[38] CL Strauss triste tropique edition plon paris p53
[39] - Merleau-Ponty. M. Signes. Paris Gallimard 1960. p 137.
0 تعليقات