الإقامة بين النصارى المشركين وأثرها في السلوك والعقيدة

1. مقدمة
"الإنسان ابن بيئته"، مقولة ونظرية اجتماعية ومنطقية لا يستطيع عقل نفيها، أو إبطالها، فكل إنسان نشأ وعاش في قرية أو مدينة إلا ويربطه بفضائها المادي والمعنوي علاقات اجتماعية ، وثقافية، وعقدية، ونفسية، شديدة العمق والتشابك والارتباط، لا يستطيع الانفكاك عنها، أو التنكر لها، أو الاستمرار في الحياة بدونها. وهذا ما أكده الفلاسفة والمفكرون في الحضارات القديمة،  وأثبته علماء الإسلام وفقهاؤه قديما وحديثا. كما تناول هذا الموضوع علماء الاجتماع والنفس المعاصرون في دول الغرب، وبسطوا القول فيه، وظهرت آلاف البحوث الاجتماعية، النظرية والميدانية، المتعلقة بـ "الإنسان ابن بئيته".
نعم، قد يقطع الإنسان صلاته بمجتمعه أو يضع حدا لعلاقاته الاجتماعية، وقد يتجاهل أو يتنكر لجوانب أساسية في ثقافته الأصلية لأسباب كثيرة، منها : استبدال العقيدة، كما يحدث حاليا لكثير ممن يدخلون في الإسلام من النصارى الغربيين، ومنها الانتقال والهجرة من بلد إلى بلد آخر، خاصة إذا كان البلد المهاجر إليه يختلف اجتماعيا وحضاريا وعقديا، عن البلد الأول. وهو ما ينطبق تماما على المهاجرين المسلمين من العرب والعجم المقيمين في بلاد غير المسلمين.
إن هؤلاء المهاجرين المسلمين الذين يقيمون في مجتمعات تختلف ثقافيا، واجتماعيا، ودينيا عن مجتمعاتهم الأصلية، معرضون لا محالة لهزات وأزمات نفسية خطيرة ورهيبة، خاصة إذا كانوا لا يرغبون في استبدال ثقافتهم التي نشأوا عليها وتربوا في أحضانها بثقافة المجتمع الجديد.وبما أن مقولة "الإنسان ابن بيئته" لا ترحم، والسنن والقوانين الاجتماعية تتسم غالبا بصفتي القسر والحتمية، فإن هؤلاء المهاجرين يؤدون ثمن هجرتهم باهضا، حيث يتجلى ذلك في المعاناة الناجمة عن التصادم الثقافي والعقدي في مجتمع الهجرة، خاصة أن هذا المجتمع لا يقبل ثقافة وعقيدة المهاجرين المسلمين، بل يستعمل آليات الإكراه النفسية، والاجتماعية، والثقافية، والقانونية، لدفعهم للتنكر لثقافتهم وعقيدتهم وينسلخوا عنهما، كما أن الثقافة الغربية بحكم نزعتها المركزية لا تعترف بالثقافة الإسلامية الشرقية، بل تصرح بكراهيتها وعدائها لها، وهذا أمر أبين من فلق الصبح، ويمكن ملاحظته وتأكيده من خلال الاطلاع على ما تنشره وسائل الإعلام، وما يكتبه المستشرقون وغيرهم من الكتاب الغربيين حول قضايا الإسلام وثقافة المسلمين، وحياتهم الاجتماعية والسياسية. كل ذلك انطلاقا من "النزعة المركزية"، التي هي لسان حال الثقافة الغربية.
ثم إن الغربيين عموما يكرهون العرب والمسلمين، لأسباب تاريخية وعقدية يعرفها الخاص والعام. أما خرافة العلمانية أو الإلحاد، أو المادية الجدلية، أو الاشتراكية والشيوعية، أو ما شابه ذلك من المفاهيم الفلسفية، التي أفرزتها الثقافة الغربية في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين، فإنها لم تستأصل جذور العقيدة المسيحية المحرفة من نفوس الغربيين، ولم تمح المنطق الصليبي من ذاكرتهم. فالمسيحية الصليبية بشكل من الأشكال ما زالت تؤثر في بواطنهم وبنيتهم اللاشعورية. والمنطق الصليبي لا ينفك حاضرا في سلوكهم ومواقفهم السياسية تجاه المسلمين والعالم الإسلامي، بل هو ألزم لهم من ظلهم. أما ما يتبجحون به من شعارات: ديمقراطية، حقوق الإنسان، الحوار الحضاري والديني، فكله تمويه وهراء. وما يقع الآن على أرض العراق، وأفغانستان، وفلسطين، من مجازر، وقتل، وهدم، وتشريد للأسر، وإبادة للقرى والمدن وما يحاك ضد الإسلام عقيدة وثقافة باسم "محاربة الإرهاب"، ليس إلا دليلا من بين مئات الأدلة على أن عقيدة القرون الوسطى المسيحية ما زالت تسري في دماء الغربيين، وأن روح الصليبية تغذي إلى يوم الناس هذا نفوس النصارى من الأوربيين والأمريكيين وغيرهم بالحقد والكراهية تجاه المسلمين.
هذه الحقائق الجوهرية يجهلها أويتجاهلها المهاجر المسلم في بلاد المهجر، وهي السبب الرئيس في ما يعانيه من ظلم، وعنصرية، وتهميش، واستلاب، واغتراب، وضياع للهوية.
إنه وضع أليم جدا، وله مضاعفات اجتماعية، ونفسية، وسلوكية خطيرة. لكن مهاجرنا قلما يلتفت التفاتة صحيحة إلى علاقته بربه وخالقه، أو قلما يحلل وضعيته القاسية في بلاد المهجر، مستضيئا بالمفاهيم والتصورات الإسلامية، أعنى أن مهاجرنا لا يبحث عن أسباب وضعيته انطلاقا من منظومة العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، وانطلاقا من حدود وطبيعة هذه العلاقة على ضوء الشريعة الإسلامية، وهل إقامته بين ظهرانيهم قد تكون أحد الأسباب الرئيسة فيما آلت إليه حالته الاجتماعية والنفسية.؟
هذه التساؤلات قلما تخطر على بال مهاجرنا المسلم. وإذا حضرته يوما ما فإنها لا تستوقفه، ولا يستجيب لإثارتها، ولا يعمل عقله فيها لأسباب عدة.
إن هذا المهاجر عندما خرج من المغرب أو الجزائر أو باكستان، أو ...بحثا عن العمل، وقصد فرنسا أوبلجيكا أو بلدا غربيا آخر، لم يكن يفكر إلا في كسب المال، بغض النظر عن كونه كان فقيرا أو غير فقير[1]. فالهدف دنيوي مائة في المائة، وبالتالي فإن المرجعية الدينية، أو حكم الشريعة في هذه الهجرة، ليس مطروحا البتة، ولا وجود لأثره في وعي صاحبنا.
نعم، إن المسؤولية ملقاة على عاتق أولي الأمر والمسؤوليين، وعلى عاتق العلماء، ولكنها، بالدرجة الأولى، مسؤولية المهاجر نفسه؛ قال تعالى: {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ. وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} سورة القيامة (14-15)
2. موقف فقهاء المسلمين ممن يعاشر النصارى المشركين ويخالطهم في بلدانهم :
إن العامل المسلم المهاجر المقيم في بلاد الغرب، سلك بسبب إقامته هناك سلوكا غير محمود في نظر الشريعة الإسلامية، ترتب عنه نوع من الضعف العقدي والإيماني، والانحراف الأخلاقي، وميل نحو التشبه بالنصارى في كثير من المعاملات والمظاهر الاجتماعية والسلوكية. قال الله تعالى {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} (113) سورة هود. قال الإمام القرطبي : ""الركون حقيقة هو الاستناد... قال قتادة وعكرمة معناه : " لاتودوهم ولا تطيعوهم... قال ابن جريج : "لا تميلوا إليهم". قال أبو العالية : "لا ترضوا أعمالهم". وكله متقارب. وقال ابن زيد والسدي : "الركون هنا الادهان، أي لا تداهنوهم، ولا تصانعوهم، ولا تنافقوهم؛ وذلك بأن لا ينكر عليهم كفرهم، ويقول لهم ما يرضيهم ... ، والظاهر أن ذلك مراد من الآية".
وجاء في تفسير "الكشاف" لجار الله الزمخشري: ولا تركنوا متناول للانحطاط في هواهم، والانقطاع إليهم؛ أي بأن يخضع وينحط لهم ويجيئهم على ريحهم إليهم، ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم، والرضى بأعمالهم، والتشبه بهم، والتزيي بزيهم، ومد العين إلى زهرتهم، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم""[2].
وقال تعالى {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} (22) سورة المجادلة. قال ابن عطية : "نفت هذه الآية أن يوجد من يؤمن بالله تعالى حق الإيمان، ويلتزم شعبه على الكمال، أن يوادَّ كافرا أو منافقا. ومعنى يوادّ؛ يكون بينهما من اللطف بحيث يود كل واحد منهما صاحبه، وعلى هذا التأويل، قال بعض الصحابة : "اللهم لا تجعل لمشرك قِبَلِي يدا، فتكون سببا للمودة. "[3].
ومودة النصارى وغيرهم من الكفار والمشركين، تؤدي إلى تعظيم شأنهم وإعلاء مكانتهم ومنزلتهم، وجعلها فوق منزلة المسلمين، وذلك بذكر قوتهم، ومدح حضارتهم وصناعتهم، ووصفهم بالعدالة والمروءة والشهامة، وغيرها من الأوصاف التي لا تنبغى إلا للمسلمين الأتقياء. ومن جهة أخرى، تؤدي تلك المودة إلى احتقار المسلم نفسه والمسلمين أجمعين، وإلى الحط من شأنهم ومنزلتهم، وهذا ما لا يجوز لمسلم أن يقدم عليه ويفعله مهما كان وضع المسلمين ومستواهم الحضاري والاجتماعي، لأن فعل ذلك خيانة، ونفاق، ودناءة، وجهل عظيم بنعمة الهداية والإسلام، رغم غربة الدين وأهله.
ولقد استمعت أكثر من مرة إلى كلام من هذا القبيل على لسان كثير من العمال المغاربة المقيمين في باريس وضواحيها، عندما كنت طالبا في هذه المدينة، أهيئ بحثا جامعيا حول الهجرة العمالية هناك، وذلك في ثمانينيات القرن العشرين الميلادي. أعني أن تعظيم الغربيين النصارى والحط من شأن المسلمين، سلوك مألوف لدى أغلبية عمالنا المهاجرين في بلاد الغرب.
ثم لما أشرب كثير من المهاجرين المسلمين في قلوبهم حب الغربيين النصارى، واستحضروا عظمة ملكهم ودولتهم، مالوا إليهم وركنوا إلى حياتهم، واستحسنوا جل ما يتعلق بعاداتهم وتقاليدهم، وأسلوب عيشهم، حتى شاركوهم في كثير من أعيادهم؛ مثل عيد رأس السنة الميلادي، فتجد بعضهم يسهرون ليلة هذا العيد في الشوارع والمقاهي والأندية ومراكز اللهو. وكثير منهم يشربون الخمور خاصة من أبناء الجيل الثاني والثالث، ويرقصون على نغم الموسيقى، ويختلون بالفتيات الأجنبيات إلى غير ذلك من مظاهر الخلاعة والاستهتار. كما لا يتورع كثير من المسلمين الذين يحترفون التجارة في ديار أوربا، أن يشتروا كثيرا من الأشياء التي يقتنيها النصارى في أعيادهم، ثم يبيعونهم إياها طلبا للربح. وهذا عمل شنيع ومذموم ومنهي عنه شرعا، بالاضافة إلى كونه يقدح في دين المسلم ويزري به.
قال الفقيه جعفر ابن ادريس الكتاني : ""وقد اتفق أهل العلم على انه لا يجوز الحضور معهم في شعائر دينهم. قال سيدنا عمر : "اجتنبوا أعداء الله في عيدهم".
وقال عبد الملك بن حبيب في "الواضحة"( كتاب من أمهات الفقه المالكي ): "سئل ابن القاسم عن الركوب في السفن التى تركب فيها النصارى إلى أعيادهم، فكره ذلك مخافة نزول السخط عليهم بشركهم الذي اجتمعوا عليه، ورآه من تعظيم عيدهم وعونهم لهم على كفرهم. ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا لهم شيئا من مصلحة عيدهم لحما ولا قوتا، ولا يعارون دابة ولا يعانون على شيء من دينهم لأن ذلك من تعظيم شركهم وعون لهم على كفرهم؟. وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك". قال : "وهو قول مالك وغيره، لم أعلم أحدا اختلف فيه"[4].
أما الأعياد الإسلامية فيكاد لا يحس بها المهاجرون وأبناؤهم، ويكون الاحتفال بها باهتا جدا، وخاليا من المسحة الدينية، والدفء الوطني؛ حيث لا تزاور ولا تراحم، وانعدام كل المظاهر المعنوية والاجتماعية المتعلقة بالأعياد الإسلامية.
يستفاد من كلام هؤلاء الفقهاء والمفسرين رحمهم الله، أن المسلم الذي يخالط النصارى  وغيرهم من أصحاب الشرك، وذوى الملل الكافرة والوثنية، ويقيم معهم ويساكنهم ويجاورهم في مدنهم وقراهم، سيتأثر بهم لا محالة، وسيضطر مع الزمن، إلى مصانعتهم ومداهنتهم، والرضى بأعمالهم، والخضوع لهم، ثم التشبه بهم، والتزيي بأزيائهم. وهكذا إلى أن يتعود على كثير من خصالهم المذمومة وأخلاقهم الدنيئة، خاصة إذا كان ضعيفا بينهم، أومهانا وحقيرا عندهم.
3. أقوال الفقهاء في عمل المسلم عند الكافر
لعل أكثر الانحرافات المتعلقة بالسلوك والأخلاق لدى معظم المسلمين وأبنائهم القاطنين في بلاد الغرب، ترجع إلى الاختلاط بالنصارى والعمل عندهم. جاء في كتاب "مدونة الفقه المالكي وأدلته" في باب "العارية" : "ولا تجوز إعارة المسلم لكافر ليخدمه، لأن إذلال الكافر للمسلم لا يجوز، فإن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه"[5].
وجاء في الكتاب نفسه، في باب "الإجارة"، مبحث إجارة المسلم لغير مسلم : "يحرم على المسلم أن يأجر نفسه في خدمة الكافر بحيث تكون يده تحت يده... لأن في ذلك إذلالا للمسلم. وتفسخ الإجارة إذا انعقدت، فإن وقعت ومضت كان للأجير أجرة مثله لأنه عقد باطل"[6].
""وقال ابن دقيق العيد : "وكذلك لا يكون المسلم عندهم خادما ولا أجيرا، ويؤمر عليه وينهى".
وفي "الأقوال المهمة في أحكام أهل الذمة" لأبي البركات بن الفاقيه : "ويحرم على المسلم إجارة نفسه لأهل الذمة، لأن في ذلك إذلالا وسبيلا على المسلم. وقد قال الله تعالى {وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} (141) سورة النساء""[7].
وإذا كانت إجارة المسلم نفسه لأهل الذمة، انطلاقا من كلام الفقيه أبي البركات، محرمة ولا تجوز، فإجارته نفسه لكافر غير ذمي لا تجوز من باب أولى، والله أعلم.
ومعلوم أن الذميين من اليهود والنصارى، كانوا في بلدان المسلمين يعاملون معاملة حسنة، إلا أن منزلتهم الاجتماعية كانت دون منزلة المسلمين، لأنهم كانوا كفارا وتحت حكم المسلمين، ومع ذلك لم يجوز الشارع للمسلم أن يكون أجيرا عندهم حتى لا تنحط أخلاقه، وتتأثر عقيدته بملابسته ومخالطته لهم، وحتى لا تهان كذلك عزة المسلم وكرامته، لأن الذمي المستأجر قد يصدر منه تجاه أجيره المسلم ما لا يرضاه الله ورسوله.
أما المعاملة التي يعامل بها المسلمون الأجراء في أوربا، فإنها معاملة يندى لها الجبين، وكلها قائمة على العنصرية والكراهية والاستغلال، إلى غير ذلك من ألوان العنف والإرهاب، واعتداء على هويتهم الدينية والثقافية.
ومن نتائج اختلاط المسلمين المهاجرين في أوربا وغيرها بالنصارى والعمل، عندهم انتشار زواج كثير منهم بالنساء الأوربيات، مع ما يترتب عن ذلك من انحرافات أخلاقية ومشاكل أسرية خاصة فيما يتعلق بالأطفال والأبناء، أو اتخادهن خليلات مما يجعل الزنا يستفحل في صفوفهم.
والأدهى والأمر، وما يدمى القلب ويشيب له الولدان، هجرة النساء والفتيات العربيات إلى أوربا، حيث يعملن خادمات في بيوت النصارى، أو منظفات وعاملات في المقاهي والمطاعم والحانات، وما يشبه ذلك من الأعمال الحقيرة. ولا تسأل عما يقع لهن من التحرش الجنسي والمراودة والاغتصاب، بل كثيرات منهن يمارسن البغاء مع النصارى بمحض إرادتهن طلبا للمال. ولقد بلغ من استفحال هذه الظاهرة أن كتبت بعض الصحف الأجنبية حول الموضوع، وأشارت إلى أن الزانيات الأوربيات في بعض المدن يشتكين من تدفق الزانيات العربيات ومزاحمتهن لهن في عقر دارهن ؟؟.
كما أقدمت الفتيات والنساء المغربيات على الزواج بالأوربيين النصارى، مستخفات بمبادئ الدين والشريعة الغراء.
إن هؤلاء الفتيات والنساء المغربيات المقيمات في أوربا، واللاواتى يقدرن بعشرات الآلاف[8]، يعتبرن وصمة عار في جبين الوطن العربي، كما يعبرن بذلك عن مدى ما وصلت إليه المرأة المغربية المهاجرة من الجهل والغباوة، وانحراف في السوك والأخلاق والعقيدة، تلك الفتاة أو المرأة الطائشة التي مزقت حجاب الأنوثة والحياء، وتنكرت للأعراف المغربية العريقة، المتعلقة بكرامة المرأة، وشرفها، وطهارتها، واجتازت وحدها بحر الزقاق، لترتمي في أحضان الرذيلة، وتعيش على فتات الموائد، والمثل العربي يقول : "تجوع الحرة ولا تزني بثدييها".
"تفيد إحصائيات السكان وتحقيقات علماء الاجتماع، بأن العادات والتقاليد العائلية للمهاجرين تشبه تقاليد أكثرية العائلات الفرنسية التي تعيش ظروفا حياتية مشابهة، ولقد تزايد عدد الجزائريين الذين يتزوجون من الفرنسيات بين عامي 1965 و 1982 إلى ثلاثة أضعاف ما كان عليه الحال قبل ذلك، ومعاشرة الرجال الفرنسيين للنساء المغربيات في المرحلة نفسها زادت عشرة أضعاف. وإذا أخذنا في الاعتبار تحريم الدين لهذه العلاقات، يمكننا أن نكون فكرة عن واقع الانهصار !"[9].
"ومن اللافت للنظر أيضا أن هجرة المرأة أصبحت منذ بداية العقدين الأخيرين من هذا القرن، ظاهرة تستوجب الاهتمام، حيث وصلت نسبتها إلى ما يناهز 45 بالمائة من مجموع المهاجرين، لاسيما بعد أن اكتسبت حظا من التعليم والتكوين يدفعها إلى البحث عن العمل خارج وطنها، بعد أن يئست من الحصول عليه. وقد ترتب عن اتساع هذه الظاهرة، شيوع زواج المغربيات المسلمات من غير المسلمين. وهذا ما يزيد في تعميق ظاهرة الانسلاخ من الهوية الوطنية والدينية، ومن أحكام الشريعة الإسلامية وقيمها في تكوين الأسرة المغربية وحمايتها"[10].
لقد أصاب الدكتور محمد الكتاني في إشارته إلى ما يترتب عن زواج المغربيات المسلمات من غير المسلمين، من "تعميق ظاهرة الانسلاخ من هوية الوطنية والدينية ومن أحكام الشريعة الإسلامية"، لكون هذا الزواج محرما شرعا، ولا يجوز الإقدام عليه، لكنه لم يكن موفقا في كلامه عندما قال : "...لا سيما بعد أن اكتسبت حظا من التعليم والتكوين يدفعها إلى البحث عن العمل خارج وطنها بعد أن يئست من الحصول عليه...". أقول : "يا ليتها لم تكسب حظا من التعليم والتكوين يدفعها إلى التمرغ في حمأة الرذيلة، وإلى التعرض للإهانة من خلال ممارسة الأعمال والأشغال الدنيئة والحقيرة التي أشرت إليها آنفا. بيد أنها ما تعلمت وما تكونت، ومتى كانت التعليم والتربية يدفعان بالإنسان إلى ارتكاب الفواحش والمحرمات ؟ !!.
شعبان 1430 / يوليوز 2009
تطوان المملكة المغربية


موقع الدكتور عبد الله الشارف : www.charefab.com








[1] ينبغى الإشارة إلى أن عامل الفقر لم يكن العامل الوحيد من وراء الهجرة إلى أوربا، إذ أثبتت الدراسات والأبحاث أن كثيرا من العمال المهاجرين باعوا أملاكهم أو تخلوا عن أعمالهم وحرفهم في بلدانهم كالبناء والفلاحة، وآخرون غادروا عملهم التعليمي أو الإداري أو التجاري ويمموا شطر أوربا بحثا عن الغنى وليس هروبا من الفقر.
[2] جعفر ابن ادريس الكتاني المغربي (المتوفى سنة1322 هـ)، "الدواهي المدهية للفرق المحمية، بحث في السياسة الشرعية"، تحقيق محمد حمزة الكتاني، منشورات دار الكتب العلمية بيروت، ط. 2، 1426 هـ2005   م، ص : 35.
[3] الدواهي المدهية، المرجع السابق، ص : 146.
[4] الدواهي المدهية، المرجع السابق، ص : 58.
[5]- د. الصادق عبد الرحمن الغرياني؛ "مدونة الفقه المالكي وأدلته"؛ مؤسسة الريان، بيروت، ط1، 1423ه-2002م، ج1، ص : 36-37
[6]- الكتاب نفسه، ص : 524.
[7] الدواهي المدهية، المرجع السابق، ص : 62.
[8] انظر: د. كنزة الغالي "نساؤنا المهاجرات في إسبانيا "كتاب الجيب" عدد 42، منشورات الزمن، الدار البيضاء، 2004.
[9] الإسلام والمسلمون في فرنسا، محمود خداقلي يور وفهيمة وزيري، ص : 104.
[10] د. محمد الكتاني : "مشكلات الهجرة وانعكاساتها في المجتمع المغربي"، مداخلة في "ندوة هجرة المغاربة إلى الخارج"، أعدتها الأكاديمية المغربية سنة 1999، مطبعة المعارف-الرباط، 2000،  ص : 30

إرسال تعليق

0 تعليقات