الإتنولوجيا والأنتربولوجيا في الثقافة المغربية المعاصرة




لم يكد المستعمرون يغادرون أرض الوطن حتى غدت أدبياتهم حول المغرب من أهم المـصادر التي يعتمد عليها كثير من الكتاب والأدباء المغاربة، بل هناك من قلدهم وتمثل رؤيتهم قبل الاستقلال بسنوات، منهم "أحمد الصفريوي الذي كتب باللغة الفرنسية، سنة 1954م رواية "صندوق العجب"، ورواية "بيت العبودية".

 إن الصفريوي صنف ضمن مجموعة الكتاب الاتنوغرافيين، وإن  أسلوبه اللغوي الاغترابي، كان مفضلا عند الروائيين المستعمرين أمثال (جوزيف بيري) (وفريزون روش)  وآخرون… إضافة إلى ذلك نجد أن الصفريوي يكثر بكل متعة وسرور من ذكر المشاهد التي تعتبر ـ من منظور أجنبي ـ جذابة ومثيرة للإعجاب؛ مثل الحمام المغربي والكتاب القرآني والأعياد الدينية... لكننا نعثر على نفس المشاهد عند بنجلون والخطيبي «[1] .إن الروائيين المستعمرين عندما كانوا يسهبون في وصف تلك المشاهد والمناظر "العجائبية"، إنما يفعلون ذلك من أجل القارئ الأجنبي، وخاصة الفرنسي، الذي كان يحس بالمتعة عندما يقرأ تلك الروايات ويتمثل في مخيلته تلك المشاهد والصور. كما أنه من خلال قراءته لها يكون أفكارا وتصورات عن جانب من حياة المغاربة. في حين يظل تقليد الصفريوي و بنجلون والخطيبي للأدب الاتنولوجي الفرنسي تقليدا لامبرر له ولا يمكن استيعابه وتفسيره إلا من خلال مقولة الاستغراب.وفي مجال الكتابة النقدية لوحظ ـ في العقود اللأخيرة ـ أن كثيرا من النقاد والكتاب المغاربة يستعملون المنهج أو المنظـور الانتربولوجي في دراساتهم النقدية. 

وقد يكون من الصعب تقصي أو تتبع مجموع هذه الدراسات، إلا أن ذلك لا يمنع من عرض بعض النصوص أو النماذج.يقول محمد الدغمومي في كتابه "الرواية المغربية والتعبيرالاجتماعي" : «حين نواجه "التقافة المغربية" فنحن لا نتوخى سوى عناصر ذات تأثير، ولا ندعي أننا سنوفي المسألة حقها، خصوصا وأن الباحث في هذه الثقافة يصطدم بالفقر المذهل الذي يطبع البحث «العلمي» المتعلق بها وبانعدام البحث الانتربولوجي من جهة، وضحالة السوسيولوجيا الثقافية من جهة ثانية؛ الأمر الذي لا يترك امام الباحث سوى الاعتماد على شذرات جزئـية محدودة، وعلى خطابات حول «الثقافة المغربية» ذات بعــد ايديولوجي أو سياسي صريح... 

لقد أخذنا بالمفهوم الوارد عند أحـد علماء الانتربولوجيا والذي يعتبر الثقافة نظاما من التواصل الاجتماعي الذي يتم داخل المجتمع عبر قنوات، الفكر المقنن، (التشريعي)، قنـاة التفكير غير المقنن (اللاواعي)، قناة التفكير التقني، بحيث تشمل الثقافة كافة الانتاجات الفكرية والروحية والعلمية والتقاليد المميزة لجماعة بشرية»[2].يقول أحمد بوكوس في مقال له عن "الوضعية اللغوية في المغرب": «إن مسألة التعليم ينظر إليها في إطار مركزية لغوية بحيث لا تدرس إلا اللغتان: العربية الفصحى والفرنسية، وكأن العربية الدارجة والأمازيغية لا يملكان أية وظيفة إدراكية معرفية، في حين كان من العملي والصواب أن يدمجا في النظام التعليمي« .[3]ويتابع قائلا: «إلى متى سنظل معرضين عن تعاليم الانتربولوجيا الثقافية، ذلك العلم الذي يخبرنا... بعدم وجود ثقافات نوعية ناقلة لرؤى ـ عن العالم ـ  مختلفة ومغايرة... ومن هنا فإن أية محاولة تهدف إلى إقامة وضع ترتيبي للغات والثقافات، لاتفسر إلا بكونها تبرير وتسويغ لنزعة عرقية وثقافية ولهيمنة رمزية».[4]

وقد عبرت الدكتورة رحمة بورقية في كتابها "الدولة والسلطة والمجتمع"[5] عن ميلها إلى التحليل الانتربولوجي في دراستها لقبائل زمور في النصف الثاني من القرن التاسع عشرالميلادي، وفيما بين 1960 و1980، ولموضوع المخزن والبيعة والزاوية والقداسة والعرف والسلطة المادية والعلاقات الاجتماعية بين القبائل، والمرأة والوشم... وكلهــا مجالات اتنولوجية وانتربولوجية بالدرجة الأولى. والملاحظ أنها اعتمدت على أشهر الاتنولوجيين والانتربولوجيين الذين اهتموا بدراسة هذه المجالات في المغرب. وهكذا  يمكن لقارئ الكتاب أن يطلع في الهوامش على أسماء أمثال  ج. بيرك , وك. براون ، وج. كولان، وإ. دوتي، وايـركمان ، وش. دوفوكـو ، وج. مارسي ، ور. مونتاني ، وم. بيلير...كما استندت في تحليلها إلى مجموعة من أشهر المنظرين في الانتروبولوجيا، أذكر من بينهم على سبيل المثال لا الحصر: كلود ليفي ستراوس ، وم. كودولييه ، وج. بالاندييه ...والقائمة طويلة بحيث يزيد عدد الأسماء على المائة كما يتبين من ثبت المراجع.

 والمطلع على الكتاب، يجد أن مضمونه مجرد ترديد لأفكار أولئك الاتنولوجيين والانتربولوجيين وإعادة ذكر لملاحظاتهم،  اللهم إذا استثنينا بعض التعليقات والاجتهادات الشخصية للكاتبة، غير أنه غالبا ما تكون رهينة النظرة الانتربولوجية المعاصرة.ومما جاء مسطرا على ظهر غلاف الكتاب المذكور مايلي:«إن الغاية مـن وضع هذا الكتاب هو الطبيعة المركبة لمكونات المجتمع المغربي في العصر الراهن. وقد ركزت الكاتبة أبحاثها الانتربولوجية على الطابع الخفي والاستراتيجي للسلطة في المجتمعات التقليدية ... لجأت إلى تتبع العلاقة التي تربط الدولة بقبائل زمور خلال مرحلتين وذلك بوضع قطاعيين في التاريخ: النصف الثاني من القرن التاسع عشر وعقدين من القرن الراهن( 1960-1980) ».وفي الجزء الثاني من الكتاب تحت عنوان "الدولة ومنطقة زمور في الوقت الراهن" حيث قامت بتحليل بعض المواضيع مثل الاطار الجديد للسلطة والجماعة القروية وتمدن القرية أم تزييف المدينة ؟ والتعليم والتنمية القروية الخ ، اعتمدت كثيرا على آراء مجموعة من الاتنولوجيين والانتربولوجـــين المعاصــرين أمثال ج. واتربوري   ، ور. لوفو،وج. بيروغييه ، وب. باسكون  وغيرهم...

ولعل الدراسة التي قام بها محمد التوزي، باللغة الفرنسية، حول بعض المظاهر الدينية في المغرب المعاصر، من أحدث الدراسات الانتربولوجية الميدانية المتعلقة بالمجتمع المغربي وأصدقها تمثلا للروح الانتربولوجية الاستعمارية التي كانت سائدة زمن الاحتلال الأوربي للبلدان المستعمرة.في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات قام بعض الباحثين ممن لهم ارتباط ب"المركز الوطني للبحوث العلمية" بفرنسا C.N.R.S بإعداد مجموعة من الأبحاث النظرية والميدانية منصبة حول قضايا دينية واجتماعية في دول المغرب العربي.وفي سنة 1981 نشر المركز المذكور مجموع تلك البحوث والدراسات في كتـاب يـزيـد عدد صفحاته على اربعـمـائة صفحة من الحجم الكبير، تحت عنوان: " المسلمون المغاربة في أواخر القرن 14 الهجري" « Le Maghreb Muslman en 1979 ».وينتمي نصف الباحثين ـ وعددهم عشرون باحثا ـ إلى المغرب العربي، وجل النصف الآخر من الفرنسيين.

 ومما جاء في مقدمة الكتاب بقلم (كريسـتيـان سوريو) المشرف على هذه الابحاث، أنه بسبب ربط المحللين السياسيين بين الأزمة العالمية للعقد السابع من القرن العشرين من جهة، وسياسة الحكومات العربية المتعلقة بالبتـرول والظهور المفاجئ للثورة الإسلامية في إيران من جهة ثانية، بدأت أنظار الدارسين تتجه نحو المجتمعات العربية حيث شرع في دراسة الإسلام وإعادة تقييم للدينامية الثقافية لهاته المجتمعات. ومن هنا فإن الكتاب المشار إليه يشكل لبنة من لبنات المشروع الانتربولوجي الجديد والمعاصر.

ساهم محمد التوزي في هذا الكتاب بدراستين: الأولى تتركز حول علاقة العلماء بالسلطة وموقف الاحزاب السياسية من الدين.والثانية ـ وهي دراسة ميدانية ـ عبارة عن بحث وصفي إحصائي للمساجد والكتاتيب بالدار البيضاء وعدد الأشخاص الذين يرتادون المساجد لأداء الصلوات الخمس(!!؟). كما تناولت بالتحليل والوصف مختلف الجمعيات والحركات الإسلامية في المغرب. وهذه الدراسة قام بتحقيقها محمد التوزى بالاشتراك مع الباحث الفرنسي (برونو إيتيان) .غير أن محمد التوزي ـ كما يلاحظ من خلال الاطلاع على نص الدراسة ـ كان أكثر حضورا وبالتالي أنجز الجزء الاكبر من الدراسة، خصوصا وأنه يسكن مدينة البحث حسب ما صرح به في  تلك الدراسة. وتقع الدراستان كلتاهما في أربعين صفحة.يقول محمد التوزي وبرونو إتيان في الدراسة الثانية: :» حاولنا أن نتحقق من مدى تطبيق المبادىء الدينية الخمسة مبتدئين بالصلاة والزكاة  ولهذا قسمنا مدينة الدارالبيضاء إلى أربعة عشر قطاعا «[6].«والنقطة الثانية المستخلصة من البحث الميداني هو التردد الضعيف على المساجد مقارنة مع التردد على «السادات والآضرحة.....»[7].«ومن ناحية آخرى فإن (أندري آدم) قدر عدد المصلين في المساجد ب1% من مجموع سكان الدار البيضاء سنة 1951[8]. وفي سنة 1979 تبين لنا أن أقل من 1% من البيضاويين يقصدون المساجد للصلاة. 

ثم إن أ. آدم يذكر عدد المساجد في الصفحة 587 من كتابه، لكنني انتهيت (كذا بصيغة المفرد) إلى أعداد مختلفة. ففي حي الحبوس ذكر ثمانية مساجد، في حين لم نعثر إلا على سبعة فقط. بالنسبة لحي بن مسيك الذي كنت أجوبه(كذا بصيغة المفرد) مترا مترا... بالنسبة لجامع المعارف ـ حيث كنت أسكن أمامه ـ ترددت عليه ما يقرب من 180 مرة خلال سنتين وفي صلوات مختلفة. وقصدته في الساعة الرابعة والنصف صباحا خمس مرات فلم أجد أحدا. ويوم الجمعة في الساعة الواحدة والنصف زوالا: من 380 إلى 600 مصلي، :كما عاينت ما يقرب من خمسين مسكينا يجلسون على الرصيف خارج المسجد …»[9].«وخلافا لما يمكن أن يعتقد فإن اغلب المساجد لا تحتضن كتاتيب قرآنية، غير أن عدد الكتاتيب يفوق بكثير عدد المساجد ...»[10].«إن الجمعيات الدينية في المغرب تجسد حركات أو موجات الرفض...»[11].«هناك جمعيات إسلامية كثيرة: دار القرآن ، الدعوة إلى الله ،الدعوة والتبيلغ ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، جمعية البعث الإسلامي ،جمعية الشبيبة الإسلامية ... معظمها معترف به من طرف السلطات...«[12].«أما الجمعيات المتأثرة بكتابات الإخوان المسلمين (البنا، الكواكبي، قطب) فإن أعضاءها يكثرون في الجامعات ...»[13].يتضح من خلال هذه النصوص كيف أن الانتربولوجيا كانت وماتزال تجسد روح وهيمنة الرجل الغربي، وكيف أن العلوم الإنسانية برمتها لا تستطيع أن تتحرر من سيطرة السياسة الأوربية والامريكية ومن ايديولوجية الإنسان الأبيض ذي العرق الآري. وماهو مصير هذه الأبحاث وغيرها إن لم يكن استغلالها في تدعيم سياسة الغزو الفكري وتوجيه الشعوب الضعيفة والتحكم في شؤونها الداخلية؟إن الانتروبولوجيا التـي ورثت الاستشراق تستعمل منهجا يبدو للمستغربيـن أكثر «تقـدما» و«نزاهـة» على المستوى العلمي من الاستشراق. 

في حين أن أمرها قد افتضح في موطن نشأتها، وهي الآن تعاني أزمة خانقة.وأخيرا، وعلى سبيل الاستنتاج، ماهو الفرق مثلا بين شخـصيـة (أندري آدم) الباحث الانتربولوجي الاستعماري وشخصية محمد توزي الباحث الانتربولوجي المغربي المعاصر؟بكل صراحة لا فرق بينهما سوى أن الأول فرنسي والثاني مغربي. أما على مستوى الوظيفة والرسالة الانتربولوجية الاستعمارية، فهما على قدم المساواة وإن كان الفرنسي أستإذا والمغربي تلميذا! ولما كان من شأن التلميذ النجيب تقليد الأستاذ والاقتـداء به قام باحثنا الانتربولوجي، بكل وفاء وإخلاص، باقتفاء أثر أستاذه ، وهيأ هو الآخر دراسة ميدانية إحصائية حول مساجد الدار البيضاء، متتبعا خطـوات روادها من المسلمين الأبرياء، متجسسا عليهم في صلاتهم وعبادتهم.

 ويقول م. توزي منبها إلى ملاحظة "قيمة" ـ ومعبرا عن بلادة الانتربولوجيين وهم يقدمون ثمرات أعمـالهم لأصحاب القوة والسلطة من المستعمرين والمتكبرين ـ « وإذا أخذنا بعين الاعتبار تضاعف عدد سكان الدار البيضاء، فإن السمة البارزة فيما يتعلق بالصلاة، هي الانخفاض الجلي لعدد المترددين على المساجد بالمقارنة مع عددهم انطلاقا من بحث أندرى آدم في سنة 1953 (!) [14]منذ نهاية القرن التاسع عشرالميلادي أخذت صورة الإسلام تشمل، في نفس الوقت، واقع التخلف الهمجي من ناحية، ورمز القوة الهدامة والمهددة لبنيان الحضارة الغربية ولدورها في المستعمرات،  خصوصا عبر الحركات الوطنية التي تبوأ بعض العلماء والمصلحين فيها موقع الصدارة، من ناحية أخرى. بذلك مر البحث الانتربولوجي من إنتاج خطاب إيديولوجي حول إسلام وهمي ـ بهدف إنعاش الافكار المسبقة والقوالب الغريزية لذى الأوربيين حول الإسلام دينا وثقافة ـ إلى خطاب شبه سياسي حول عدم التجانس بينه وبين حضارة الغرب وقيمهن بغرض إفراز عداء سياسي عميق ضد الحركات الوطنية المسلمة، وبذلك تكون الانتربولوجيا منسجمة تماما مع استراتيجية السلطة السياسية والعسكرية.والواقع أن هناك من الشواهد ما يبرر موقف التشكك الذي يقفه العلماء الشبان الآن من مسألة موضوعية البحث في العلوم الإنسانية. ذلك أن الحكومات كثيرا ما تتدخل في توجيه البحوث الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتحدد موضوعات معينة بالذات تعطيها أولوية مطلقة، وتطالب العلماء بدراستها قبل غيرها من المشاكل التي قد تكون أقرب إلى ميول هؤلاء العلماء، كما أن تمويل معظم الدراسات والبحوث في الوقت الحاضر يأتي من مصادر حكومية أو شبه رسمية على العموم. واعتماد العلماء في هذه المجالات على الهيئات الرسمية يفرض بلا شك قيودا معينة على آراء الباحثين والعلماء في المشكلات التي يدرسونها.

 وكثير من العلماء والباحثين في مختلف الدول هم في الحقيقة مجرد "موظفين" في الادارات الحكومية، يقتصر نشاطهم العلمي على دراسة المسائل التي تعينها لهم الدولة، أو الإدارة الحكومية التي ينتمون إليها. وثمة فارق كبير بغير شك بين أن تسهم الحكومـات والشركات في الإنفاق على البحوث التي يقوم بها العلماء حسب رغباتهم الشخصية وبدون تدخل من تلك الحكومات والشركات من ناحية، وأن تقوم هيئة معينة بتحديد مشكلة معينة وتختار لدراستها باحثين معينين تقوم بالانفاق عليهم أثناء مدة البحث والدراسة. فمعظم الدراسات والبحـوث التي تدخل في هذه الفئة الأخيرة إنما تجرى لخدمة أغراض معينة، ولهذا فهي تخضع في كل خطوة من خطواتها لتدخل تلك السلطات ورقابتها وتوجيهها، مما قد يؤثر في النتائج التي تصل إليها. بل ان الكثير من هذه الدراسات الاجتماعية والانثربولوجيـة والسياسية والاقتصادية يتم بتوجيه ادارات المخابرات في الدول المتخلفة.

لقد كانت الحكومات الاستعمارية تستعين بمن تسميهم بالانتربولوجيين الحكوميين، لإجراء دراسات خاصة بين القبائل والشعوب الخاضعة لحكمها، وجمع معلومات حول موضوعات معينة بالذات، لكي تسترشد بها في سياستها وادارتها لتلك المجتمعات بطريقة لا تتعارض مع القيم والنظم التقليدية السائدة هناك، وبذلك كانت الحكومات الاستعمارية تتمكن بمعونة هـؤلاء الانتربولوجين الحكوميين من تفادي كل ما من شأنه إثـارة تلك الشعوب، فلا تطالب بحريتها واستقلالها، ويعتبر ذلك العمل أيضا في نظر العلمـاء الثائرين المتمردين منافيا للأخلاق. صحيح أنه في بعض الأحيان كان يسمح لهؤلاء الانتربولوجيين الحكوميين بالقيام بالدراسات التي يرغبون هم أنفسهم في إجرائها والتي تتلاءم مع ميـولهم أو تجيب عن بعض الأسئلة العلمية التي تدور في إذهانهم، وكذلك فحص بعض النظم التي تهم الحكومات بشكل مباشـر مثل النظام الديني أو القرابي، أو الآداب والفنون الشعبية والأساطير ومـا إلى ذلك، ولكن هذا كان يعتبر في العادة عملا جانبيا يقومون به حين يفرغون من عملهم الأساسي.

ومن الطبيعي أن ينصرف اهتمام الانتربولوجي إلى الموضوعات الانتربولوجية بغض النظر عما إذا كانت لها ـ أو لم يكن لها ـ أهمية عملية على الاطلاق، كذلك من الطبيعي أن تكون حكومات المستعمر مهتمة بالمشاكل العملية بغض النظر عن قيمتها النظرية. وقد نشأت صعوبات وإشكالات كثيرة حول هذه المسألة. ومن شأن هذا كله أن يلقي ظلالا كثيفة على ادعاء الكثير من المشتغلين بالعلوم الإنسانية بأنهم يتوخون الموضوعية في دراساتهم وبحوثهم، في الوقت الذي يقومون فيه في الواقع بأبحاث موجهة ومغرضة ومتحيزة، وتهدف إلى تحقيق أهداف معينة، حددتها لهم هيئات لا تتصل بالعلم ولا بموضوعيـة البحث من قريب أو من بعيد. ولذا كان كثير من العلماء المتمردين يرون في دعوى الموضوعية العلمية في العلوم الإنسانية نوعا من النفاق العلمي الذي يجب فضحه وكشف النقاب عنه.



[1] ـ Marc Gontard « La littérature marocaine de langue française » in Revue Europe Juin Juillet 1979; Paris p.104.[2] ـ محمد الدغمومي: "الرواية المغربية والتغير الاجتماعي" (دراسة سوسيو ـ ثقافية) دار النشر أفريقيا الشرق 1991 ص23.[3] ـ ص16. مرجع سابق.  Boukous In Revue Europe[4] ـ نفس المرجع ص20.[5] ـ "الدولة والسلطة والمجتمع" (دراسة في الثابت والمتحول في علاقة الدولة بالقبائل في المغرب) دار الطليعة بيروت 1991.[6] ـ C.N.R.S. «  Le Maghreb Musulman en 1979 » Paris 1981 p.235[7] ـ المرجع السابق ص 236.[8] ـ André Adam, Casablanca; essai sur la transformation de la société marocaine au contact de l’Occident, Paris CNRS, CRESM. Paris 1953.[9] ـ «  Le Maghreb Musulman en 1979 » p. 241.[10] ـ نفس المرجع ص 242.[11] ـ نفس المرجع ص244.[12] ـ نفس المرجع ص247.[13]  ـ نفس المرجع ص248.[14] ـ المرجع السابق ص 240.x

إرسال تعليق

0 تعليقات