إن العقل، بمعنى التعقل، يوجد في القلب: وهو قول جمهور العلماء المسلمين، ومالت إليه بعض الدراسات العلمية الحديثة والمتأخرة، وأما كون القلبِ يحمل الأحاسيس والمشاعر من حب ومودة وكره وبغض ونحو ذلك من الأحاسيس، فلا يمكن أن يُنكر ذلك أحد، وأما كونُ العقلِ في القلب، فهو أمر قد تظاهرت الأدلة الشرعية عليه وتنوّعت:
فمنها ما يدل على أن مركز القسوة أو اللين، أو الشعور والطمأنينة والثبات، والفهم والتدبر والوعي، والوجل والخوف هو القلب، ومنها ما يدل على أن محل العقل؛ أي التعقل هو القلب..

ولقد ثبت من الناحية العلمية والفسيولوجية،أن الشخص إذا فاجأه أمر مخيف أو مقلق، سرعان ما يضطرب قلبه ويرتعش، ثم يرسل بالأوامر إلى المخ فالأعضاءِ لتقفز وتتلوّن بسبب زيادة ضخ الدم من القلب، وهذا ما يسمى علميا بالفعل اللاإرادي، ويسميه علماء الشرع بالخوف الطبيعي.

"كما أكدت بعض الأبحاث العلمية الأخيرة أن القلب مكوّن من أكثر من أربعين ألف خلية عصبية، وأن كل خلية تخزن الكم الكبير من المعلومات، وأن لها دور كبير في التحكم بكل الجسد. وأكد البرفسور Gary Schwartz من جامعة أريزونا، والدكتورة Linda Russek أن للقلب طاقة خاصة به بواسطتها يتم تخزين المعلومات ومعالجتها أيضاً، كما وثّق البروفسور Gary Schwart عشرات الحالات التي تثبت أن للقلب دوراً كبيراً في التحكم بشخصية الإنسان وأفعاله وذكرياته، ومنهم الدكتور (أندريو أرمور armour) و"بول برسال" اللذان أكّدا وجود دماغٍ شديد التعقيد بداخل القلب، وأن له نظاماً خاصاً به في معالجة المعلومات القادمة إليه من مختلف أنحاء الجسم، وأن كل خلية من خلايا القلب الأربعين ألفا، لها ذاكرة خاصة، وتحتوي على كمّ كبير من المعلومات عن شخصيتنا وأذواقنا وما نحب وما نكره.
وقيل بل يوجد ذلك في كل خلايا الجسد كما زعمت عالمة الكيمياء الحيوية:" كانديس بيرت"، وكذلك يرى الدكتور Schwartz أن تاريخنا مكتوب في كل خلية من خلايا جسدنا."
إن القلب بمعنى الروح أو النفس هو المتحكم في الجسد تفكيرا وصلاحا أو فسادا، ، كما أن القلب بمعناه الروحي والبيولوجي له امتداد إلى الدماغ، وهو أشبه بمولد الطاقة.

و ذكر العلماءُ أن القلب متصل مع المخ أو الدماغ بعصب مزدوج، يسمونه بالعصب الشوكي .وأن القلب يرسل إلى المخ مع كل خفقةٍ، - عن طريق الدمِ، والهرمون، وموجات الضغط، -، كلاّ من الهواء والغذاء والأوامر والمعلومات ونحوها، وأنّ هذه الرسائل العصبية إذا كثرت فهي السر في ألم الدماغ والله أعلم، لما لها من تأثير بليغ على قشرة المخ المستقبل والمُنَفّذِ للمعلومات.

وإذا كان العقل لم يذكر في القرآن ولو مرة واحدة بصيغة إسم دال على مسمى معين وجوهر مستقل قائم بذاته، فإن القلب ورد في القرآن أربعا وثلاثين ومائة مرة (134) بصيغة الإسم كما يلي. قلب، قلبك، قلبه، قلبها، قلبي، قلبين، قلوب، قلوبكما، قلوبكم، قلوبنا، قلوبهم، قلوبهن.
وهذه بعض الآيات القرآنية الدالة على أن القلب بالمعنى الروحي هو الذي يقوم بالتفكير وبكل العمليات العقلية والوجدانية، ويسهر على إدارة الجسم بتعاون مع البنية العصبية والبيولوجية.

قال تعالى ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو أذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور )، ولم يقل فتكون لهم أدمغه أو عقول يعقلون بها ، ولم يقل ولكن تعمى العقول أو الأدمغه التي في الرؤوس ، فقد صرح في آية الحج هذه بأن القلوب هي التي يعقل بها، وما ذلك إلا لأنها محل التعقل .ثم أكد ذلك تأكيداً لا يترك شبهة ولا لبساً؛ فقال تعالى ( ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ). فتأمل قوله التي في الصدور تفهم مافيه من التأكيد والإيضاح، ومعناه أن القلوب التي في الصدور هي التي تعمى وليس العقول أو الأدمغة. وقال تعالى ( إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه ) الآية ومفهوم مخالفة الآية، أنه لو لم يجعل الأكنة على قلوبهم لفقهوه بقلوبهم، وذلك لأن محل التعقل القلب كما ترى ، ولم يقل إنا جعلنا على عقولهم أو أدمغتهم أكنه أن يفقهوه . وقال تعالى ؛((إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب ) الآية ، ولم يقل لمن كان له عقل أو دماغ وقال تعالى ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك ) الآية ، ولم يقل ثم قست عقولكم أو أدمغتكم.

وقال تعالى ( فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ) الآية ، وقال تعالى ( فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم ) الآية ، ولم يقل فويل للقاسية عقولهم أدمغتهم، ولم يقل فطال عليهم الأمد فقست أدمغتهم. وقال تعالى ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه ) الآية ، ولم يقل وختم على سمعه وعقله أو دماغه. وقال تعالى ( واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ) الآية ، ولم يقل وعقله ، وقال تعالى ( يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ) الآية، ولم يقل ما ليس في عقولهم أو أدمغتهم وقال تعالى ( فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة ) الآية ولم يقل عقولهم أو أدمغتهم منكرة وقال تعالى (حتى إذا فزع عن قلوبهم ) الآية، ولم يقل إذا فزع عن عقولهم أو دمغتهم. وقال تعالى ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) الآية، ولم يقل أم على عقول أوأدمغة أقفالها ، معنى هذا أن التدبر وإدراك المعاني إنما هو بالقلب، ولو جعل على القلب قفل لم يحصل الإدراك فتبين أن الدماغ ليس هو محل الإدراك ، وقال تعالى ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) ولم يقل أزاغ الله عقولهم أو أدمغتهم.

وقال تعالى ( أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم ) ولم يقل ونطبع على عقولهم أو أدمغتهم ، وقال تعالى ( وربطنا على قلوبهم إذ قاموا ) الآية. وقال تعالى ( إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها ) والآيتان المذكورتان فيهما الدلالة على أن محل إدراك الخطر المسبب للخوف هو القلب لا العقل أو الدماغ. والآيا ت الواردة في الطبع على القلوب متعددة كقوله تعالى ( ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم ) الآية. ولم يقل فطبع على أدمغتهم ، وكقوله تعالى ( رضوا بأن يكونوا مع الخوالف فطبع على قلوبهم ) الآية، ولم يقل على عقولهم أو أدمغتهم. وقال تعالى ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) الآية. والطمأنينة بالإيمان إنما تحصل بإدراك فضل الإيمان وحسن نتائجه وعواقبه.وقد صرح في هذه الآية بإسناد ذلك اطمئناناً إلى القلب الذي هو محل العقل أي التعقل .

وقال تعالى ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم )، ولم يقل في عقولكم أو أدمغتكم. وقال تعالى ( أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ). فقوله ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ، وقوله كتب في قلوبهم الإيمان ، صريح في أن المحل الذي يدخله الإيمان في المؤمن وينتفـــي عنه دخوله في الكافر؛ إنما هو القلب لا العقل أوالدماغ .
نستنتج من خلال التأمل في مضمون هذه الآيات، أن القلب بمعناه الروحي لا العضوي، هو مركز التعقل والتفكير والتدبر والإدراك وسائر العمليات العقلية والوجدانية. ولا توجد أدنى إشارة في القرآن إلى أن هذه العمليات يقوم بها الدماغ، وإن كان هذا العضو مسرحا لتجلياتها البيولوجية والفسيولوجية. كما لا يوجد دليل في القرآن يبين أن تلك العمليات هي من صنع وتدبير كائن متوهم إسمه: العقل.

د. عبد الله الشارف، كلية أصول الدين، تطوان/المغرب. ربيع الثاني 1434/فبراير 2013.