الوقت كنزك


مراعاة الوقت

يا عبد الله؛
لن تتجلى لك حقيقة ذاتك ما لم تراع وقتك، فلا تخضع لزمان لكونه فانيا، ولكون روحك لن تتغير وليست فانية، وكنزك هو الحال الذي أنت فيه، وأمسك لن يعود، وغدك ليس بحاصل، وحياتك هذه حلم، والتي بعد الموت هي الحياة؛ (يا ليتني قدمت لحياتي ). روحك فهمت الخطاب خارج حجاب الزمن، واستعصى عليها استحضاره تحت وطأته. احفظ وقتك، وتحقق بالله فيه، تسطع عليك شموس المعرفة، وتحقق مراد الله من خلقك، وتفز بفرصة العمر قبل فواتها. فهو الموصل إن تحققت به، والحجاب إن غفلت عنه، وساعتك التي أنت فيها.

اجعل الوقت مطية لك

يا عبد الله؛
لا تكن مطية وقتك، بل اجعله مطيتك. وأحكم قبضتك على لحظاتك، فقد تهلك بين فتحة عين وغمضتها. والكل في قبضته فاحذره لأ نه القهار. وأطلق بصرك فيما حولك، وبصيرتك في باطنك دون أن تشغل بسواه، فتحجب عما يمكن أن تلهمه. فإن صابرت وراقبت وأحاطت بك العناية، وتم لك ذلك، رميت سلاحك وكسرت شراع سفينتك.

اغتنم وقتك

يا عبد الله؛
لا تطرد يومك بغدك، ولا تجعل نفسك تعانق ما ليس بحاصل، أو ما لم يحن بعد وقت حصوله. وإذا لم تفعل ذلك، كنت غائبا وضيعت إمدادات وقتك، وأسأت الأدب؛ لأن الله لم يخلق شيئا عبثا، وآياته لم تزل تتجلى لك. ورب حضور منك يثمر علما يورثك القرب، ورب غيبة منك تثمر جهلا يورثك البعد. وإذا أنعم عليك بالقرب لم تعد تشغل بما سيأتي، لأن الذي يملك الكنز لا يعبأ بالفلس، كما أن القرب منه ينفي كل الأبعاد، فلا أثر لماضي ولا لمستقبل، ومن تعلق بجمال الله وأسر بنوره حضر ولن يغيب.

د. عبد الله الشارف؛ "واردات موخواطر إيمانية"، باريس 1981.

إرسال تعليق

3 تعليقات

  1. لطيفة العباسي4 أغسطس 2012 في 7:05 ص

    المضوع مهم جدا .الوقت من ذهب كل دقيقة سنسال عنه يوم القيامة.

    ردحذف
  2. حفيظة بوكلاطة19 فبراير 2013 في 10:33 ص

    كلمات رائعة ومعبرة عن قيمة الوقت؛الذي نحن غافلون عن حسن استغلاله

    ردحذف
  3. حقا إن الوقت في حياة الإنسان أغلى من أي شئ آخر في الوجود؛ لذلك لطالما أوصى به الفضلاء، طلب من الإمام مالك رحمه الله يوما أحدهم بأن يقف معه ليتبادل معه أطراف الحديث، فقال له مالك: ياهذا، أوقف الشمش(العاملة في الزمان ) أقف معك. شكرا أستاذنا الفاضل، بارك الله فيك.

    ردحذف