في أدب الحكم والنصائح




إن المطلع على الأدب العربي شعرا ونثرا، يجده مشتملا على أبواب وفنون وموضوعات متنوعة، ذات صلة بالفكر والحياة. ورغم أن كثيرا من النصوص النثرية والشعرية الرائعة، شكلا ومضمونا، قد مر على حياتها زمن طويل، إلا أن ذلك لم يؤثر في جمالها وقوة عطائها وتدفقها. وهذا لا يخفى على من يتذوق اللغة العربية، ويأسره بيانها وبهاؤها. والحقيقة أن اللغة العربية تتحدى الزمان بحيويتها ومرونتها، ولا زالت تحتفظ بشبابها ونضارتها، وذلك سر من أسرارها، رغم كيد الكائدين من أبناء جلدتها، ومن الصليبيين الحاقدين. بل كيف يطرأ عليها المشيب، وهي وعاء الذكر الحكيم؟


وبهذه المناسبة أتحف القارئ الكريم بنصوص شعرية من فن الحكم والنصائح.


قال الإمام الشافعي رضي الله عنه:



دع الأيام تفعــــــــل ما تشــاء ..... وطب نفسا إذا حكم القضاء


ولا تجــــــــزع لحادثة الليالي ..... فما لحـــوادث الدنيا بقـــــاء
وكن رجلا على الأهوال جلدا ..... وشيمتك السماحة والوفـــاء
وإن كثرت عيوبك في البرايا ..... وسرك أن يكون لها غطـاء
تستر بالسخاء فكـل عيــــــب ..... يغطيه كمـا قــيــل السخـــاء
ولا تــــــر للأعادي قــط ذلا ..... فإن شماتة الأعداء بـــــــــلاء
ولا ترج السماحة مــن بخيل ..... فما في النــــــار للظمآن ماء
ورزقك ليـــس ينقصه التأني ..... وليس يزيد في الرزق العناء
ولا حزن يــدوم ولا ســرور ..... ولا بؤس عليك ولا رخــــاء
إذا ما كنــــت ذا قـلب قنـوع ..... فأنت ومالك الدنيا ســــــــواء
ومــــن نزلت بساحته المنايا ..... فلا أرض تقيه ولا سمــــــاء
وأرض الله واسعة ولــــكــن ..... إذا نزل القضا ضاق الفضاء



وقال الشاعر صلاح الدين الصفدي (764هج):



الجــــد في الجـد والحرمان فـي الكســـل


فــــانصب تصب عـن قريب غـاية الأمل
***


واصبــــر عـــلى كل ما يأتي الزمان به
صـبــر الحسام بــكــفّ الـدارع البطــــل
***


وجــــــانب الحرص والأطماع تحظ بما
تــــرجو من العـــز والتأيـيــد في عجـل
***


ولا تــــــكونَنْ عــــــلى ما فات ذا حزن
ولا تــظـــل بـمــــا أوتـيــــــــت ذا جـذل
***


واسـتـشـعـر الحـلم في كـــل الأمور ولا
تــــسرع بـبـــادرة يومـــــــــا إلى رجـل
***


وإن بـلـيــــت بــشخــــص لا خــلاق له
فــكـــن كــأنك لـم تــــسمع ولم يــقــــــل
***


ولا تـــــمار ســفــيــــها فـــــي محاورة
ولا حــلــيــما لـــكي تقصى عـــن الزلـل
***


ولا يـغـرك مــن يـبـــدي بـشاشــتـــــــه
إلـــيــــك خدعـــــا فـإن السم في العـسل
***


وإن أرد ت نــجـــــاحا فـــــــي كل آونة
فــــاكـتـم أمـــورك عـــن حاف و منتعل
***


إن الـفــتى مـن بماضي الحــزم متصف
ومــــا تعـــــود نـــــقـص القول والعـمل
***


ولا يـــقــيــم بأرض طــاب مســكـنــهـا
حــتـى يــقــدّ أديم السهــل والــجــبـــــل
***


ولا يــضيــــع ساعـــات الزمان فـلــــن
يــعــــود ما فــــات مــن أيــــــامه الأول
***


ولا يــــراقـــب إلا مـــــن يـــــراقــبــــه
ولا يــــُصــاحـــب إلا كـــل ذى نـــُبــــــل
***


ولا يـعــد عـــيــوبا للــــــــــــــورى أبدا
بــل يــعــتــني بالذي فــــيه مـــن الخلـل
***


ولا يــــظن بــــهم سوءا ولا حسنــــــــا
بـــــل التــــجارب تهد يــه عـــــلى مهـل
***


ولا يــــصـــد عــن التـقـوى بصــــيرته
لأنــهـــا للمعــــالي أوضـح الــسبــــــــل
***


فــمــن تـــــكن حلة الــتـــقـوى ملابسه
لم يــــخش فـــي دهره يــوما من العطل
***


مــــن لم تــفــــده صروف الدهر تجربة
فـــيـــما يحاول فلـــــــيسكــن مع الهمـل
***


مــــــن سالمته الليالي فلـيـثــــق عجلا
منــــها بــــحرب عــــــد و جـاء بالحيـل
***


مــــن ضــــيع الحزم لم يظـــفر بحاجته
ومــــن رمى بسهـــــــام العجـب لم ينـل
***


مـــــن جــــاد ســاد وأحيا العالمون له
بــــد يع حــــمد بـــــمدح الفعـل مُتّصـل


 


د. عبد الله الشارف، كلية أصول الدين/جامعة القرويين. رجب 1434/ماي 2013.







إرسال تعليق

1 تعليقات

  1. اشرف الخباز20 مايو 2013 في 2:43 م

    بارك الله فيك استاذنا الفاضل ذكرتني بابيات حكيمة من شعر الامام الشافعي كنت احفظها عن ظهر قلب منذ طفولتي
    بقدرِ الكدِّ تكتسبُ المعالي ومن طلب العلا سهر الليالي
    ومن رام العلا من غير كد أضاع العمر في طلب المحال
    تروم العز ثم تنام ليلاً يغوص البحر من طلب اللآلي

    ردحذف