إلهي أسألك أن تلقي علي محبة منك، وتفتح لي من رحمة لاممسك لها، أصبح وأغدو وأمسي متفيئا ظلالها حتى ألقاك.إلهي أنت الذي هديتني، وأنت الذي أرشدتني، لكن من عساه يؤمنني مكرك، أو ينقذني منك يوم تبطش البطشة الكبرى. ألم يكن إبليس من الطائعين، أعوذ بك منك، لا ملجأ منك إلا إليك. لعلي أعمل في غير معمل، أو أحسب أني أحسن صنعا، إن لم تأخذ بناصيتي ضللت، وإن أوكلتني إلى نفسي هلكت. من علي بالطمأنينة، واربط على قلبي كما ربطت على قلب أم موسى، أو قلوب الفتية؛ "إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلهها لقد قلنا إذا شططا"، حسبي أنت حسبي أنت حسبي أنت.
إلهي أسألك أن تعصمني في حركاتي وسكناتي وخطراتي، وأن تسبل علي كثيف سترك، حتى تغيب عيوبي عن عيون خلقك، كي أذكرك في نفسي فتذكرني في نفسك. إلهي أسالك أن تعينني على اقتفاء أثر الرسول محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، وأن تضئ جوانب قلبي بشعلة من نور سراجه الوهاج. وأسالك أن تقذف في قلبي نورا من عندك، يزيح شبح الظلمات، ويبدد أستار الأوهام؛ كما تقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق. إلهي أسألك أن تجعلني أعبدك كأني أراك، وإذا هممت بفعل سوء أو مسني طائف من الشيطان، تذكرتك فخفت مقامك. واملأ قلبي بخشيتك حتى لا يبقى فيه خاطر سوء قد يغضبك، وحتى لا تتحرك جوارحي إلا بما يرضيك، واجعل الوقار نابتا في أصل فؤادي، واجعل الصمت إلا عن ذكرك وفيما تحب أفضل شيمي. إلهي أسألك أن تحبب إلي عبادتك، ومناجاتك والأنس بك. فإذا أظلم الليل ولمع النجم وسكنت النفوس؛ اجعلني ممن تتجافى جنوبهم عن المضاجع، وممن يهجرون الفراش متأسين بنبيك ومقبلين عليك، عسى أن ينفعني ذلك يوما يجعل الولدان شيبا. إلهي أسألك أن تجعلني في زمرة الذين بايعوك، فعلمت ما في قلوبهم فأنزلت السكينة، عليهم فسكنت نفوسهم وهدأ عنهم الروع، وثبت إيمانهم ويقن حتى غدت كل حركاتهم وسكناتهم بك ومنك وإليك. إلهي اشتقت إلى لقائك، وحيرني حنين الرجوع إليك. فاجعل سفري إليك سفر نوح في الجارية، ولجوئي إليك لجوء الفتية إلى الكهف، واجعل لي عندك زلفى وحسن مآب. إلهي لطفك وعنايتك بي جعلاني أوقن بأن كل شئ في هذا الكون يسبح بحمدك، وكل حي وكل جامد له لسان يسبح به، وما من موجود إلا والتسبيح ساري في كيانه؛ إذ ليس في الوجود إلا معبود ومسبحون. فامنن علي بلسان لا يفتر عن تسبيحك، وقلب لا يسأم معلقا بك، لعلي بذلك أحقق عبوديتي لك. إلهي أسألك سؤال من غشيه الموج وظن ألا ملجأ منك إلا إليك؛ أن تجعلني أفر إليك قبل أن يفر مني أخي وولدي وأمي وأبي وكل عشيرتي، يوم مجيء الصاخة، يوم العرض، وقد خاب من حمل ظلما. إن لم تفك أسري من شهوات نفسي، ولم تنقذني من أوحال الدنيا، ولم تتغمدني برحمتك، فكيف لي أن أفر إليك وقد قلت (ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ). كن بي رحيما ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين. إلهي أعرضت عن أصنامهم التي هم لها عاكفون، وأقبلت بوجهي عليك فأقبل بوجهك العزيز علي، واجعلني أنظر إليه ببصيرتي، وأدم علي نورك حتى لا أضل وأشقى، أو تهوي بي الريح في مكان سحيق. إلهي طغى الماء أو كاد ولست خبيرا بصنع الجارية العاصمة، فألهمني بناءها وإلا كنت من المغرقين، وارزقني براءة مثل براءة هود أخي عاد، إذ قال لهم (واشهدوا أني برئ مما تشركون من دونه ). وامنن علي ببينة منك تطمئن بها نفسي، ويقوى بها عضدي. وبشرني يا وهاب بهبة من عندك تسرني، وترفعني بها، واجعلني ممن قلت فيهم ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ). آمين إلهي إذا صح أن عبادا ممن ذاقوا حلاوة الانقطاع إليك، شق عليهم الاشتغال بأمور تتعلق بمعيشتهم ودنياهم، لا مفر لهم منها لما في ذلك من تشويش لصفو الأنس، فكيف ستكون حالتهم إن أنت أدخلتهم النار لأنك مقلب القلوب، وحرموا رؤيتك وقد تقطعت أوصالهم شوقا إليك ولما يروك.[1][1]أتوسل إليك بما تحب أن يتوسل به إليك، أن تثبتني وإياهم وتسكننا جنتك، وتقر أعيننا برؤية وجهك الجميل. إلهي هما نظرتان لا ثالثة لهما؛ نظرة إلى الدنيا ونظرة إليك. فمن أسرته الأولى، تحسر على الثانية يوم يكشف عنه غطاؤه. ومن منحته البصيرة وكان على نور منك، كفي سحر الدنيا وعجل إليك لترضى. فيا من يجيب المضطر إذا دعاه أسألك بحق النور الذي أضأت به الكون، أن تجعلني أحيا على بصيرة حتى ألقاك آمنا يوم الفزع الأكبر . عبد الله الشارف "ابتهالات"؛ باريس 1983 [2][1] قال الشاعر : سبيت الورى طرا وأنت محجب فكيف بمن يهواك إن زالت الحجب وأصبحت معشوق القلوب بأسرها ولا ذرة في الكون إلا لها قلب
0 تعليقات